سياسة العقوبات والإنكار الأميركيّ
ناصر قنديل
– تشكل الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إطاراً لحالة إنكار داخلية وخارجية. فالشق الظاهر من حالة الإنكار على الصعيد الداخلي بالإعلانات المتكررة لترامب عن رفض الإقرار بخسارة الانتخابات، وتبني معادلة ما لا يحلّه الإنكار يحلّه المزيد من الإنكار، لا يختلف عن الشق الخارجي حيث بات ثابتاً تراجع القدرة على اعتماد الحلول العسكرية التي كان عنوانها ما قاله الوزير السابق للدفاع في عهد الرئيس جورج بوش الذي أطلق معادلة ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة. وفيما يبدو ترامب مسلماً بالعجز عن ترجمة هذه المعادلة، وتتصدّر الانسحابات العسكرية مشروعه لما تبقى من ولايته، يظهر أنه يستنسخ معادلة رامسفيلد معدلة جينياً، لتصير ما لا تحله العقوبات يحله المزيد من العقوبات.
– يستطيع ترامب أن يتحدّث بالأرقام عن نتائج العقوبات والحصار على دول مثل إيران وسورية، وحتى على روسيا والصين، وبنسب أخرى على تركيا وعلى أوروبا عموماً من خلال العقوبات على إيران وسورية وروسيا والصين، هذا إضافة للرسوم الجمركية التي استهدفت الصناعات الثقيلة لكل من ألمانيا واليابان، لكن الأكيد أن المرتجى من العقوبات سياسياً كانت نتائجه صفراً. فإيران وسورية زادتا التمسك بمواقفهما، رغم المعاناة الناجمة عن العقوبات، وروسيا والصين الأقل تأثراً، ولكن الأكثر تشابكاً وتداخلاً تحولتا الى الخصومة، وأوروبا التي عجزت عن بلورة سياسة مستقلة كاملة، لم تخضعها العقوبات أو الخسائر الناجمة عن العقوبات، فمواقفها من الاتفاق النووي مع إيران والعقوبات عليها في تصويت مجلس الأمن، كما مواقفها من قضايا كثيرة أخرى آخرها التعامل مع نتائج الانتخابات الأميركية لا توحي بأن سياسات ترامب أدت إلى أي نتائج تذكر.
– في لبنان حيث تقود السياسة الأميركية القائمة على الحصار والعقوبات السياستين الغربية والعربية منذ سنوات، وصولاً للانفجار الاجتماعي والانهيار المالي، وتتويجاً بإنزال العقوبات الفردية على شخصيات سياسية كانت مستثناة بما تمثل من بيئات سياسية واجتماعية من الاستعداء الأميركي، يمكن أيضاً لواشنطن أن تحصي بالأرقام خسائر لبنان ومدى الانهيار الذي سببته سياساتها، كما تستطيع التلويح بالمزيد، لكن السؤال خصوصاً مع ظهور العقوبات كنهج مرشح للاتساع هو ماذا سيحصد منه الأميركيون في السياسة، وقد تعاملوا مع نماذج مختلفة كانوا يتوقعون للتهديد بالعقوبات تعديل سياساتها وخياراتها، والأكيد أن المعنيين بالعقوبات لم يكونوا من الخصوم الراديكاليين للسياسات الأميركيّة، لكن النتيجة قالت إن الرهان الأميركي على خلق بيئة سياسية لبنانية معادية للمقاومة تتيح تشكيل حكومة تعزلها، يسقط حلقة حلقة، ويمكن للتجميد الذي يريده الأميركي للحكومة إفساحاً في المجال لاختبار المزيد من العقوبات، أن يحمل المزيد من الخيبات، لكن لا يبدو أن الإنكار سيسقط، فما لا يحلّه الإنكار يحلّه مزيد من الإنكار في فلسفة ترامب.
– الذي لا يدركه الأميركيون هو أنّهم ينقلون شرائح سياسية وشعبية من مواقع أكثر قرباً لهم إلى مواقع تزداد بعداً عنهم، وأن مصداقيتهم تتهاوى لجهة ما تمنحه العقوبات من شهادات براءة ذمة من تهم الفساد للذين يتم استهدافهم مع عجز اميركا، التي تعرف كل شيء عن كل الناس في عالم الحسابات المالية، عن تقديم أدلة ووثائق وإثباتات لاتهامات الفساد، خصوصاً عندما تنحصر الاتهامات بالذين تقول واشنطن إنها تستهدفهم لعلاقتهم بالمقاومة وتحالفهم معها، وإذا كان الرئيس المتنخب جو بايدن قد ورث مع الرئيس باراك أوباما قبل سنوات سقوط سياسة التدخل العسكريّ عن فشل الرئيس جورج بوش، فربما يكون أهمّ ما سيرثه مع فشل الرئيس ترامب هو سقوط سياسة العقوبات كأداة في السياسة.