صوايا لـ«البناء»: لتتحمّل الحكومة مجتمعة مسؤولياتها وتوقف الصفقة المشبوهة
إنعام خرّوبي
ما إنْ تخفت أصداء قضية فساد في البلاد، حتى تظهر قضية أكبر وأخطر. فبعد فضائح سلامة الغذاء وموضوع النفايات والمطامر والمخالفات العقارية، برزت قضية قديمة جديدة هي موضوع ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت.
وعلى رغم المعارضة الواسعة لهذا القرار الذي ينطوي على مخالفة دستورية وقانونية كبيرة، يبدو أنّ إدارة المرفأ لا تزال مصرّة على ردم الحوض. فالحوض الرابع بُني بمرسوم جمهوري رقم «1996/9040» والذي أعطى إدارة المرفأ حق إجراء التوسعة شرقاً حتى مصبّ نهر بيروت وينصّ على إنشاء الحوضين الرابع والخامس ، يحتاج ردمه إلى مرسوم آخر، كما يجب أن يكون لوزارة البيئة دور في هذا الموضوع. إضافةً إلى ذلك، فإنّ اتخاذ هذا القرار يحتاج إلى دراسة حول الأسباب والجدوى الاقتصادية وإمكانية توسيعه من دون ردم أحد أحواضه المهمة كالحوض الرابع الذي يُعتبر من أعمق الأحواض في المنطقة.
من جهة أخرى، فإنّ عملية تلزيم المشروع تطرح جملة من التساؤلات، حيث تمّ توقيع عقد بالتراضي مع شركة «حورية» لتنفيذ أعمال الردم. فلماذا لم يتمّ إجراء مناقصة قانونية للتلزيم؟ وما هي الكلفة الحقيقية؟ وهل هي حقاً 130 مليون دولار في حين يشير البعض إلى إنّ الكلفة يجب أن لا تتجاوز 40 مليون دولار؟ وهل يقع تلزيم المشروع ضمن صلاحية اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار المرفأ؟ وهل هناك أهداف غير معلنة للردم؟
وعلى رغم طلب عدد من الأحزاب السياسية التي اجتمعت منذ أيام في بكركي من رئيس الحكومة تمام سلام الإيعاز إلى الجهات المختصة بالوقف الفوري لكلّ الأعمال المتعلقة بردم الحوض الرابع، وذلك حسب الاتفاق الذي تمّ في اجتماع السراي الحكومية بين عدد من الوزراء وبين إدارة المرفأ، والأخذ في الاعتبار التوصية الصادرة عن لجنة الأشغال العامة النيابية في هذا الخصوص، وبتّ هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء، فإنّ الأجواء لا توحي حتى الآن بنية لدى الأطراف المعنية طرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء وإنْ من خارج جدول الأعمال.
وعلى رغم رفض النقابات العاملة في مرفأ بيروت لهذه الخطوة التي لها انعكاسات سلبية على عملهم، بحيث تطاولهم في لقمة عيشهم، وعلى رغم تحذير بعض الخبراء من خسائر كبيرة قد تنجم عن الردم، لا تزال اللجنة الموقتة ماضية في أعمال الردم، معتبرة أنّ تلزيم المشروع بالتراضي هو حق استنسابي لها ولا يحتاج إلى مرسوم، علماً أنّ هذه اللجنة هي هيئة مستقلة خاضعة لسلطة وصاية وزير الأشغال العامة وبالتالي هي ليست إدارة عامة، وتحتاج الى ترخيص بردم البحر مثلها مثل أي شركة خاصة، وهي ترتكب مخالفة دستورية كبيرة.
أصحاب الشاحنات
يبدو أنّ الأمور ذاهبة نحو التصعيد، إذ تبدأ النقابات العاملة في مرفأ بيروت، بدعوة من نقابة مالكي الشاحنات العمومية اليوم إضراباً مفتوحاً حتى إدراج المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء، جدّد رئيس نقابة مالكي الشاحنات العمومية نعيم صوايا في حديث لـ»البناء» التأكيد على أنّ مشروع ردم الحوض الرابع من دون دراسة جدوى اقتصادية حقيقية، هو تغيير لوجهة عمل المرفأ وتحويله من مرفأ اقتصادي حيوي لكلّ لبنان، إلى مرفأ سياحي وتجاري يستفيد منه عدد قليل من الشركات. وقال: «في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي صدر مرسوم جمهوري حمل الرقم 9040 وقضى بإنشاء الحوضين الرابع والخامس والرصيف 16، ومدة هذا المرسوم 5 سنوات، أيّ أنها انتهت عام 2001. وفي عام 2009 تمّ ردم الحوض الخامس من دون وجه حقّ ولم نعرف بعد لماذا تمّ ردم هذا الحوض!
أما بالنسبة إلى الحوض الرابع، فقد بدأ الحديث عن الموضوع في أواخر عام 2013، فقرّرنا الوقوف في وجه الردم باعتبار أنّه يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، فالمرسوم لا يلغيه إلا مرسوم».
وأضاف: «لقد تذرّعت إدارة المرفأ بأنها تحتاج إلى محطّة مستوعبات جديدة للتخزين والتفريغ، بحجّة أنّ المحطات المخصّصة لذلك ضاقت بها المساحات داخل المرفأ، لكن بعد اجتماعنا إلى مدير المرفأ حسن قريطم الذي أخبرنا أنه في حال ردم الحوض يصبح سعر المتر المربع الواحد 50 ألف دولار أميركي، اتضح لنا أنّ الهدف أبعد من ذلك، وهو تحويل مرفأ بيروت إلى مرفأ تجاري سياحي، وقد تكون هناك خلفيات أخرى».
ولفت صوايا إلى أن للحوض الرابع مميّزات مهمة جداً، «فهو من أعمق الأحواض في المنطقة، إضافة إلى أنّ مساحة أرصفته تسمح برسو عدد من السفن الكبيرة المحمّلة بالحديد والخشب والمواشي، بحيث يصل وزن الحمولة إلى نحو 800 ألف طن، وقد أعطى المرسوم 9040 إدارة المرفأ حقّ إجراء التوسعة شرقاً حتى مصبّ نهر بيروت».
مخالفات بالجملة
وأكد أنّ الطريقة التي تمّ فيها تلزيم المشروع، «مخالفة في شكل كلي للقوانين المرعية، لأنّ التلزيم تمّ بالتراضي وقيمته 130 مليون دولار على رغم أنّ القانون لا يسمح للجنة إدارة المرفأ إبرام عقود تتجاوز قيمتها 75 مليون ليرة، وينص على أنّ التلزيم يجب أن يتمّ عبر مناقصة شفافة. فكيف يجري التلزيم بالتراضي وبعشرات ملايين الدولارات»؟ وأضاف: «الأخطر من ذلك كله، وبغضّ النظر عن التلزيم بالتراضي، أنّ كلفة الردم هي حوالى 40 مليون دولار، فأين سيذهب المبلغ الباقي أي تسعين مليون دولار؟ وما هي المعايير المعتمدة في صرف الأموال؟ ومن يراقب صرفها؟ وما هو دور المدعي العام المالي»؟
وانتقد صوايا محاولة «تطييف» الملف عبر القول إنّ الأحزاب المسيحية فقط هي التي تقف ضدّ ردم الحوض، مشيراً إلى أنّ هناك أحزاباً أخرى تعارض الردم، وهي ليست أحزاباً مسيحية بل تمثل شريحة واسعة من كلّ الطوائف، وأولها الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد زرنا رئيسه النائب أسعد حردان الذي أكد أنّ الحزب يقف إلى جانب كلّ قضية محقة مرتبطة بالناس، معتبراً أنّ الحكومة يجب أن تتحمّل مجتمعة مسؤولياتها تجاه هذا الواقع بما لا يخالف المراسيم السابقة القاضية بتوسعة المرفأ، وأن تضع وزارة الأشغال العامة يدها على هذه القضية، والإحاطة بكلّ التفاصيل المتعلقة بها لتفادي ما قد ينتج عنها من أضرار وسلبيات تطاول قطاعات أساسية عاملة في المرفأ، ومنها أصحاب الشاحنات العمومية الذين يعملون في شكل شرعي وقانوني، ويمثلون قطاعاً أساسياً في الدورة الاقتصادية».
وتحدث صوايا عن تحرك نقابة أصحاب الشاحنات من أجل مواجهة هذا القرار الذي سيؤدّي إلى خسارة ما لا يقلّ عن 1500 شاحنة عمومية عملها، بالإضافة إلى متعهّدي التحميل والتفريغ والعمال». وقال: «قمنا بجولة على المرجعيات السياسية والروحية ورؤساء الأحزاب، البعض تجاوب معنا لا سيما: الحزب السوري القومي الاجتماعي، تيار المرده، التيار الوطني الحر، وحزب الطاشناق، وغيرهم، أما المستفيدون من هذا الوضع فقد رفضوا الوقوف إلى جانبنا مثل النائب وليد جنبلاط الذي رفض حتى مجرد الاستماع إلى وجهة نظرنا».
وعن دور وزارة الوصاية في هذا الملف، أي وزارة الأشغال، قال صوايا: «كان تصرف وزير الأشغال غازي زعيتر مفاجئاً لنا، فعندما اجتمعنا إليه وشرحنا له موقفنا من ردم الحوض والخسائر التي ستنجم عن هذا الردم كان كلامه مطمئناً وإيجابياً، حيث أكد أنّ الردم لا يجوز، لنُفاجأ بعد ذلك برسالة منه إلى رئيس الحكومة تمام سلام يبلغه فيها أنه ليس ضدّ ردم الحوض لأنّه يوسِّع المرفأ ويطوّر عمله، وعندما طلبنا توضيحاً من الرئيس سلام جاءنا الردّ من الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي بأنّ أعمال التحضير للردم يجب أن تستمرّ. كيف يحصل ذلك؟ وهل أصبح بوجي رئيساً للحكومة»؟
وكشف النقيب صوايا عن صفقة فساد كبيرة، معظم الضالعين فيها من السياسيين النافذين وبعض أبناء الوزراء السابقين، بالتعاون مع إدارة المرفأ، مطالباً بوقف هذه الصفقة المشبوهة، أو إصدار مرسوم بردم المرفأ يتحمّل بعده مجلس الوزراء المسؤولية الكاملة أمام الشعب اللبناني في ردم هذا المرفق العام الحيوي والمهم!