هل يُترك لبنان لقضائه وقدره؟
} علي بدر الدين
لا نبالغ القول، إن لبنان أصبح كـ «الأيتام على مأدبة اللئام»، كأنه «مقطوع من شجرة» ومتروك لقضائه وقدره، بعد أن سلخت الطبقة السياسية والمالية جلده، وأكلت لحمه ورمت عظمه، وأفقرت شعبه وجوّعته، وحوّلت نصفه إلى عاطل من العمل، والنصف الآخر فقيرا معدما، والجوع والمرض ينخران عظامه، وأفقدته أيّ أمل بأنّ الآتي سيكون أفضل، وأنّ الصبر مفتاح الفرج.
من النادر أن تكون هذه الطبقة بمكوّناتها ومسؤوليها ووزرائها صادقة، في مواقفها ووعودها مع شعبها، هذه المرة، وعدت ووفت، بأن قضت على أحلام اللبنانيين، بعد أن حطمت واقعهم ونهبت مالهم ومزقتهم، وباعدت بينهم، إلى حدّ أنّ أيّ إشكال كبيراً كان أو صغيراً، بين طائفتين أو مذهبين أو منطقتين، أو حتى توجيه انتقاد لهذا المرجع السياسي أو ذاك الروحي، كفيل بإيقاظ الفتنة وإشعال فتيلها، وتحويلها إلى حرب داعس والغبراء، وحروب القبائل والعشائر التي قد تستمرّ عقوداً، ولا تبقي ولا تذر،ولبنان يذوق مرارتها.
الأكثر صدقاً ووضوحاً وتعبيراً، يكمن في التحذير الذي أطلقه وزير المالية غازي وزني، وبشر فيه بانهيار لبنان، وهو العارف ببواطن المالية العامة المفلسة، ومن أفلسها، ومن نهب الدولة والمؤسسات، وبطبيعة الحال، لديه ما يكفي من المستندات، التي تكشف المستور، وكيف أنفقت الأموال، وأين هُدرت، والصفقات المشبوهة التي مرّرت، لو فعلها وأعلن عنها، مع أنّ هذا صعب جداً ومستحيل، كان أجدى بكثير، من هذا التحذير الذي يعرفه الشعب ويدفع ثمنه باهظاً.
إنّ لبنان الذي تحاصره أميركا وتفرض عليه عقوبات، وتهدّده بالانهيار الكلي والفقر والمجاعة، وتحرّض عليه العالم ، وطبقته السياسية الحاكمة أو معظمها، لا تزال تراهن عليها، وتنتظر منها العون والمساعدة، وتفتح لسفيرتها في لبنان، أبواب قصورها ومكاتبها وربما قلوبها، كأنها تحمل معها البشرى والمنّ والسلوى، والتوبة بعدم التدخل بالشأن اللبناني مع أن لا هدف من زياراتها سوى الوعيد والتهديد بعظائم الأمور، وبأن لا حكومة في لبنان لا اليوم ولا في الغد، ولا في أيّ وقت، في حال تمثل حزب الله فيها.
إنها وقاحة غير مسبوقة في العلاقات الدولية، تتصرّف كأنها الحاكم المطلق على لبنان، وتصدر الأوامر وما على السلطة سوى الإذعان والتنفيذ، من دون اعتراض أو تردّد أو نقاش. قيل لعنترة «مَن عنترك؟ قال لم يردني أحد».
إنّ نفش السفيرة الأميركية ريشها كالطاووس، لم يأت من العدم، بل من الصمت المريب لكثير من القوى السياسية، الخائفة على نفسها من العقوبات، والتي تعيش اليوم حالة من «انعدام الوزن» والقلق من أن تكون على لائحتها، ومتى يأتي دورها، وهي إحدى نقاط ضعفها التي استغلتها السفيرة الأميركية لتقوية ضغطها، ومحاولة فرض رأي إدارتها، وزرع الشقاق والصدام بين هذه القوى، التي استعارت نظام «الفيتوات» على بعضها، وحق النقض والاعتراض، في حين أنها لا تستطيع أن تعترض على السفيرة الأميركية او ترفض مواقف دولتها الجائرة بحق لبنان وشعبه، وبعض قواه الشعبية والسياسية.
فعلاً، انّ لبنان بات على خط النار، وفي قلب العاصفة الإقليمية والدولية، ومغلوب على أمره، من طبقة سياسية لا تعرف الرحمة، ولا المسؤولية، وفاشلة ومتواطئة مع الخارج على الداخل، ولا غرابة في هذه اللحظة، من تبشيرها الشعب وتذكيره بسقوطه وانهيار وطنه، في ظلّ انعدام البدائل، وضيق خيارات الحلول والإنقاذ.
ليس أمام اللبنانيين سوى الدعاء إلى الله، وطلب الرحمة والرأفة لهم، والهداية للضالين الذين حكموا لبنان ونهبوه وأفلسوه ونكبوا شعبه وهجّروه وشرّدوه، علهم يهتدون ويعيدون المال الذي سلبوه وهرّبوه إلى أصحابه، ويطهّرون المجتمع والإدارات والمؤسسات من الفاسدين والسارقين أياً كانوا أو بأيّ خيمة طائفية أو مذهبية تغطوا وتحت أيّ خط أحمر تلطوا.
إنّ ما يطلبه الشعب هو كـ «عشم إبليس بالجنة».
ولكن، ليس أمام هذا الشعب المسكين، سوى الدعاء بعد ان سدّت المخارج، وأطيحت الآمال والأحلام، وضاعت الحقوق، وهو مجيب الدعوات، وعلى كلّ شيء قدير.