وحدة البندقية… طريق الانتصار
وليد زيتوني
كثيرة هي التحليلات التي تناولت العملية البطولية للمقاومة في مثلث الغجر، الواقع على الحدود اللبنانية ـ السورية ـ الفلسطينية. منها ما أجاد وأصاب، ومنها ما أفاض وانتقد، ومنها ما غرد خارج الزمان والمكان. لكن في الحقيقة مهما كانت التوصيفات المباشرة والمضمرة لها. فالعملية واقعياً وفعلياً، أرست معادلة تمكن تسميتها «ما فوق ردعية»، باعتبارها تجاوزت خطوط وقواعد الاشتباك التي أرستها حرب تموز 2006. وهنا طبعاً لا نقصد قواعد الاشتباك المتعلقة بالقرار 1701، إنما توسيع الجبهة إلى أي مكان، وأي زمان، وأي كيف. وبالتأكيد لا نصل إلى ما سوّقه البعض تحت عنوان «التفوّق». فللتفوق معنى آخر يتعلق بالسيطرة والهيمنة، وهو بعيد نسبياً استناداً إلى الإمكانات والقدرات، واستحواذ ما يشكل على الأقل ردعاً في مفهوم أسلحة الدمار الشامل. غير أن مفهوم «ما فوق ردعية» أقرب إلى واقع تقدير الموقف في ما يتعلق بمسألتي التهديد، والردّ على التهديد.
إن معادلة «ما فوق ردعية» تستمدّ شرعيتها من تجربة المقاومة لقوّتها وفعاليتها على الأرض، وقدرتها الجدّية على منع العدو من التمادي في غيّه وغطرسته، وبالتالي مجابهته بالحديد والنار على المستويات المطلوبة نفسها. وهو ما يمكن تسميته عسكرياً بتماثل الأهداف، وتناسب الأهداف والوسائل. وعلى هذا الأساس، يعتبر منع العدو من تحقيق أغراضه بشكل متكرر، هو ردع، بل أعلى مستويات الردع. وهو ما تُرجِم مرات عدة، حتى تحوّل إلى انتصارات متكرّرة.
أما المسألة الثانية التي تعزز شرعية معادلة «ما فوق ردعية» التي تشكلت نتيجة عملية المقاومة، بل ربما هي التي أعطتها هالتها الكبرى، إسراع المقاومة الفلسطينية، وقيامها لأول مرة، جميع الفصائل الفلسطينية من دون استثناء، بالمباركة والتبريك ليس لفظياً، وإنما بالدعوة العلنية الصريحة إلى توحيد البندقية المقاومة على امتداد الخطوط المتاحة للنار. وهي استجابة حقيقية للدعوة بفتح كل الجبهات عسكرياً في حال تعرض إحداها للاعتداء من قبل العدو الصهيوني. قد يبدو أن هناك تنسيقاً مسبقاً لاستكمال طوق النار بما فيه جبهتا الضفة الغربية والجولان. وسواء التنسيق المسبق كان موجوداً أم لا، فإنه ضرورة بالطبيعة، وإنه ضرورة عملانية، وضرورة لوجستية، وضرورة معنوية إضافة إلى الضرورة الأخلاقية التي تستدعي التكاتف والتساند والتعاون والتعاضد لتحرير الأرض والعرض.
إن إعادة بوصلة البندقية إلى اتجاهها الصحيح تتناغم كلياً مع إعادة الإيمان إلى قبلته. فعندما تعود فلسطين هي الهدف الجوهري لجميع البنادق، تسقط الفوارق الكيانية، والفوارق المذهبية، والفوارق القبلية. ويسقط معها مشروع الصهيونية الاستيطانية المدعوم من قوى النهب العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية واتباعها. من هنا يجب التلاقي على توصيف الإرهاب من جديد. فالإرهاب الممارس على أمتنا ليس إرهاباً عسكرياً فقط، إنما سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وإعلامي، تماماً كما هو إرهاب عسكري. فالصراع مع هذا العدو لم يكن يوماً، ولن يكون على جبهة واحدة، ولا على منحى واحد من حياتنا، وربما تجاوز الجيل الواحد إلى أجيال اخرى لم تولد بعد. إن اسقاط هذا المشروع يبدأ بالإجماع على إسقاط أداته وقاعدته المتقدمة «إسرائيل».
ففي لحظة ردّ المقاومة في شبعا، لم تكن الولايات المتحدة جاهزة. فهي مشغولة بالحرب الاقتصادية على روسيا وإيران عبر تخفيض أسعار النفط. وبالتالي إن اندلاع الحرب في هذه المنطقة، يعني وبالتأكيد خسارتها الحرب الاقتصادية. فأية مناوشات جدية على حدود منابع وممرات النفط والغاز تؤدي وبشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل دراماتيكي. وعليه سارعت الولايات المتحدة حتى قبل نتنياهو إلى تلقف الصدمة وابتلاعها.
إنّ عملية شبعا البطولية، أشّرت بشكل واضح وجلي إلى الطريق الواجب اتباعها، كما أرست قواعد العمل الجديدة للانطلاق بمقاومة قومية جامعة شاملة، تزيل الفوارق والتناقض بين القوى الجدّية الساعية إلى كرامة الأمة وعزها ونصرها.
عميد ركن متقاعد