دافوس 2015… لا عزاء للفقراء…
لمياء عاصي
تطغى حرارة النقاشات على برودة الطقس في دافوس السويسرية الجميلة، حيث ينعقد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي عام 2015، في عامه الخامس والأربعين، والحضور هم: رؤساء دول وحكومات، ووزراء خارجية واقتصاد ومال، وحكام بنوك مركزية، ومدراء ورؤساء لشركات تقدّر أصولها وحجم أعمالها بمليارات الدولارت، تفوق موازنة بعضها موازنات دول مجتمعة… الأسئلة التي تدور في الأذهان هي، لماذا تقام هذه التظاهرة الاقتصادية السياسية، العالية الكلفة… ما هو مردودها؟ لماذا يأتي السياسيون ورجال المال إلى دافوس؟ إلى أين يمضي العالم في ظلّ التفاوت الكبير في مستويات الدخول بين الناس… والدول؟ وبما أنّ إعلان البنك المركزي الأوروبي، إصدار حزم التيسير الكمي كان الحدث الأبرز في المؤتمر، كيف سينعكس هذا الإجراء على الاقتصاد الأوروبي، وعلى مستوى التفاوت في الدخول بين الناس؟
منتدى دافوس اكتسب شهرة عالمية، كونه يجمع في جلساته ومناقشاته العلنية والسرية أباطرة المال والسياسة، ويتقدّمهم نجوم الإعلام، وعلى سبيل التجميل تدعى منظمات المجتمع المدني التي تعمل على مواضيع اقتصادية وإنسانية وبيئية، مثل مكافحة الفقر وتشجيع ريادة الأعمال وغيرها، وبوجود المنظمات الدولية سواء الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وذلك لإعطائه مزيداً من البريق والثقل، في الحقيقة، هو منصة لجمع كلّ أصحاب القرار الاقتصادي في العالم، لمناقشة التحديات والمستجدات في النظام العالمي الجديد، ومن الضروري الإشارة إلى أنّ 67 في المئة من المشاركين في المؤتمر هم من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي، وعلى أجندة دافوس لهذا العام، سبعة محاور رئيسية، شكلت أجندة الاجتماعات والجلسات في المنتدى، وهذه المحاور تمثل أهم التحديات للاقتصاد العالمي. المحور الأول: عدم المساواة والتفاوت في الثروات والدخول، الثاني: انخفاض أسعار النفط… وتأثير الانخفاض الشديد في الأسعار على دول العالم، الثالث: التهديدات الإرهابية وعدم الاستقرار السياسي وخصوصاً في الشرق الأوسط، الرابع: حزمة التيسير الكمي التي أعلنها المصرف المركزي للاتحاد الأوروبي وآثارها على اقتصادات الدول، الخامس: التكنولوجيا، وشعار مستعار من العبارة المطبوعة على الدولار، بأن ثقتنا هي بالله، لأن تصبح بأنّ «ثقتنا بالتكنولوجيا» وهناك سيطرة واضحة لشركات الهواتف المحمولة، وصناعة البرمجيات على الشبكة العالمية، المحور السادس: التغيّرات المناخية وخطورتها على كوكب الأرض وأهمّ السياسات الواجب اتباعها، والاستثمارات اللازمة، المحور الأخير: الأوبئة إيبولا مثالاً .
في البداية، حدثان مهمان للغاية سيطرا على أجندة المنتدى:
الأول: التقرير الذي أصدرته منظمة أوكسفام، وهي تجمع للعديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على مكافحة الفقر في العالم. تقرير صادم، ذكرت فيه أنّ 80 مليارديراً يملكون ما يملكه 3.5 مليار شخص في العالم، أيّ نصف مجموع سكان الكرة الأرضية، وقال التقرير، بأنّ 1 في المئة من مجموع سكان العالم يتجاوز ما يملكونه، ملكية الـ99 في المئة الآخرين… وهذا سينعكس سلباً على الديمقراطية وحقوق الإنسان، هذا ما قالته مسؤولة مهمة في أوكسفام، إذا بينما يضع منتدى دافوس عدم المساواة والفجوة في الدخول بين الناس على الأجندة كلّ عام، نجد أنّ التفاوت في الدخل بين الفقراء والأغنياء في الدولة الواحدة كبير جداً، ثم أنّ الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة كبيرة جداً أيضاً.
الثاني: أعلن البنك المركزي الأوروبي ECB European Central Bank، حزمة تحفيزية للاقتصاد الأوروبي أو ما يسمى بالتيسير الكمي على دفعات، والتي من المتوقع أن تتجاوز التريليون يورو، وهي الأضخم بعد الحزم التي أصدرتها الولايات المتحدة الأميركية أيضاً لتجاوز آثار الأزمة المالية التي بدأت في 2008. ومن الجدير بالذكر، أنّ حزم التيسير الكمي أوEasy Quantitave EQ، هي في جوهرها عبارة عن طبع أوراق نقدية، وضخّها في الأسواق لتوفير السيولة وتحريك الاقتصاد. أطلقت هذه التسمية للمرة الأولى في اليابان ثم استخدمها العديد من الدول منها بريطانيا، لتحريك عجلة الاقتصاد وتجاوز الركود أو الجمود الاقتصادي.
تقول تصريحات صندوق النقد الدولي: «إنّ المبالغ المتأتية من عمليات التيسير الكمي أو ما يسمّى Easy Quantitative، ستؤثر سلباً في توزيع الدخل، وستزيد من الفوارق في الثروة والدخول بين الفقراء والأغنياء»، ومن المعروف أنّ اتفاق ماستريخت يحظر على الدول تمويل نفقاتها ومشاريعها من خلال طبع الأوراق النقدية.
يؤكد فليكس سالمون رئيس تحرير مجلة فيوجن التصريحات الصادرة عن صندوق النقد ويقول: «تأتي حزم التيسير الكمي للاتحاد الأوروبي لتزيد حدة التفاوت في الدخل، وعلى رغم أنها المفروض أن تنقص من قوة وأهمية المال لمصلحة قوة العمل، ولكن ما سيحصل هو العكس تماماً، لأنّ معظمها سيُضخّ في الأسواق المالية، والنتيجة أنّ الثورة المقبلة ستكون في التشريعات وليس في التكنولوجيا». وتضيف الأستاذة في الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا بيركلي لورا تايسون: «على رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لمعالجة آثار الأزمة المالية العالمية 2008، ولكن التفاوت الكبير في الدخول والنمو الاقتصادي التضميني، الذي ينعكس بشكل عادل على معظم المواطنين، لم يستحوذ على اهتمام صناع السياسات الاقتصادية في العالم».
أما خبراء اقتصاد ورجال مال كانوا مشاركين في المنتدى، فصرّحوا بشكل مخالف وقالوا: «إنّ السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تخفيف التفاوت في الدخل وتحقيق قدر من المساواة، لن تؤدّي إلى تحقيق الرفاه للبلدان التي تتبعها»، وهذا ينذر بالمزيد من التغوّل لمصلحة قوة المال على حساب قوة العمل، بالطبع يمكن توقع مثل تلك الأفكار والمواقف، إذا علمنا أنّ المشاركين في المؤتمر هم أصحاب المليارديرات الذين ينتمون لفئة الـ1 في المئة من الذين يملكون 50 المئة من ثروة الأرض، حيث أنّ 1700 طائرة خاصة أوصلت بعض المشاركين إلى المؤتمر.
النظام العالمي الجديد، الذي تمت هندسته وصوغ مكوناته من قبل الدول الأغنى والأقوى وبمشاركة ورعاية المنظمات الدولية، تقوم مكوناته على:
ـ أولاً: تبني المعايير الدولية والاتفاقات التي من شأنها إرساء قواعد التجارة الخارجية، التي ترعاها منظمة التجارة العالمية WTO، من المهم القول بأن تلك المعايير والقواعد، ربما تجعل التجارة حرة ولكنها غير عادلة. فمثلاً، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول لا توقع اتفاق تجارة حرة مع أي دولة، من دون الموافقة على مجموعة من الشروط، أولها التعهد والتزام قواعد وقوانين حماية الملكية الفكرية، وفي هذا إجحاف كبير بحق الدول الفقيرة التي لا قدرة لديها، على دفع الأثمان الباهظة لبراءات الاختراع في صناعات مثل الدواء.
ـ ثانياً: النظام المصرفي العالمي، المصمم بعناية لضمان وإحكام سيطرة الأقوياء والأغنياء وفرض شروطهم.
ـ ثالثاً: ارتباط الاقتصاد بالسياسة، حيث تفرض العقوبات الاقتصادية على الشعوب قبل الحكومات لأغراض سياسية، كل ذلك يؤدي إلى مزيد من الفقر والبؤس الاقتصادي للفقراء ومضاعفة الثروة للأغنياء.
اليوم تثبت الإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية على مستوى العالم، وعلى رغم التحسن النسبي الذي طرأ على كثير من الدول الفقيرة، بأن الاقتصاد العالمي الجديد، ومن خلال ما يسوده من معايير مزدوجة، هو أفضل تجسيد لشريعة الغاب. فالدول الغنية مثل الاتحاد الأوروبي وإنكلترا واليابان والولايات المتحدة تصدر حزم تحفيز لاقتصاداتها وتطرح السيولة الناجمة عن طرح العملات في الأسواق المالية فيها لمساعدتها على التعافي، أما الدول النامية فتكون تحت رحمة شروط وسياسات صندوق النقد الدولي… آخر ما يقال، هو لا عزاء للفقراء في هذا العالم.