خطاب نصر الله فكّ الاشتباك ورسم الخريطة
جهاد أيوب
بعد خطاب الفصل الذي أعلنه السيد حسن نصر الله بعد ظهر الجمعة الفائت من الضاحية الجنوبية، وهو ردّ فيه رايات النصر بعد عملية الغدر الصهيوني في القنيطرة سترسم الكثير من معالم وخطوط الاشتباك، وخرائط جديدة لمنطقة أشبعت بالنار والبارود والدماء مع «الإسرائيلي» المحتلّ لفلسطين العربية، السيد أراد أن يعطي الدروس لأكثر من جهة، دروس نابعة من جامعة التجربة والفعل، وهذه الدروس ليست لليهود فقط بل لكلّ المستعربين وحكام الأعراب بمختلف الطوائف، وتحديداً من يدعم الزمر التكفيرية، وبنى ويبني البيئة الحاضنة لهذه الزمر المتعاملة مع الكيان الصهيوني بفجور إعلانها الالتزام الطائفي والمذهبي، وأيضاً حمل رسائل لقيادات الغرب ببساطة الواضع النقاط على الحروف، إضافة إلى جمهور المقاومة المنتصر بكرامة الصبر والتضحية والدعم الروحي والمعنوي والبيئي لشباب المقاومة وفكر المقاومة وتحرك المقاومة وإعلام المقاومة.
في البداية لا بدّ من الاعتراف أنّ السيد يكاد يكون الشخصية العربية والإسلامية الوحيدة في هذا العصر ينفذ ومن ثم يقول، لا بل أكد انّ المرحلة لا تتطلب الكثير من الكلام بل العمل بصمت وبمزيد من تحقيق الأهداف التي تبني الخط والمستقبل رغم قساوة الظروف، وهذه المرة جاءت الجعجعة الكلامية من ناحية زعامات العدو ومن يسير خلفها في الداخل اللبناني بينما رجالات المقاومة رفضت الكلام، وتركت لجمهورها اليقظة والانتظار، ونظراً لقيمة الحدث والبوح من قبل السيد والمقاومة لن نشير إلى صيصان الداخل في جعجعتهم ضدّ قيام المقاومة بالردّ على جريمة القنيطرة، وكأنهم بثرثراتهم يدعمون كلّ ما تقوم به «إسرائيل» من قتلنا وما علينا غير البكاء، لذلك لا مجال للخوض في ما يطبخونه من سمّ سيرتدّ عليهم، وهو ارتدّ عليهم أصلاً في سورية واليمن ولبنان.
خطاب السيد أسّس لمرحلة جديدة في كيفية الاشتباك مع الصهاينة وأذيالها في الداخل العربي، ووضع السهم الأول في طريقة السير السياسي والدبلوماسي لكلّ من يهدّد أو يلمّح إلى الحرب، هو حدّد الهدف، وأصاب المعنى، وقيّم الطريق، ورسم ما سيسير عليه ذاك العدو الغبي، نعم عدونا من الأغبياء لأنه يفتعل ما يبرّر أفعالنا وردّنا، فاليوم لم نعد نحن المفعول به، أو الجهة التي تتلقى الصفعات، انما خطوط الردع انطلقت من عندنا كي نبكي ونؤلم ونتصرّف بعدونا، ومن سيغتال شبابنا المجاهد المقاوم سيغتال في صميم وجوده وفي عقر الدار التي سرقها من أهلها وأصحابها.
والواضح أنّ عملية المقاومة أنهت حرباً كانت تخطط لها «إسرائيل» بدعم من حكومات أعرابية كالعادة، «إسرائيل» تعمّدت عن علم وجبروت ومعرفة اغتيال قادة القنيطرة وانتظرت ردّ فعل المقاومة، وكانت تعتقد من خلال مخبريها في بعض الأنظمة الأعرابية أنّ الحزب منهك ولن يستطع القتال على أكثر من جبهة، خيّل لها أنّ الردّ لن يحدث من قبل المقاومة خوفاً من حرب هي ليست جاهزة لها، وأنّ الداخل اللبناني جراء بعض المرتزقة فيه حاصر المقاومة شعبياً واقتصادياً وإعلامياً مما يمنعها من الخوض بحرب جديدة، وبعد عمليته الغادرة في القنيطرة أبلغ الكيان الخائف والقلق والمريض بعض الديبلوماسية الغربية بأنه سيشنّ حرباً على لبنان متقطعة تعتمد على القيام باغتيالات قادة المقاومة، لكن النتيجة جاءت مغايرة لكلّ التوقعات، والردّ جاء في وضح النهار، ولو كان جيش العدو شفافاً لأعلن عن عدد قتلاه، وما أصاب جنوده من هلع وخوف وأمراض نفسية، ولكننا نتعامل مع عدو يكبر وللأسف جراء التناقضات العربية، وخيانات بعض الأنظمة الأعرابية على فلسطين، وسذاجة وتسطيح، وهمجية الإعلام المدفوع بدماء البترول.
السيد في خطابه الأخير فك اشتباك ورسم خريطة الحرب المقبلة مع «إسرائيل» وتوابعها من عملاء يدّعون الإسلام، ولون بمصداقية وجود القوة والجهوزية والسلاح المتطور الأرض العربية انطلاقاً من فلسطين، وبعث برسائل إلى الجميع وتحديداً أميركا التي منذ البداية تبرّأت من عملية الصهاينة، ليس حباً بنا، بل لكونها أيّ أميركا تدرس واقعها جيداً، فهي تتلمّس يومياً فشل مشاريعها في المنطقة جراء انتصارات متتالية لمحور الممانعة في سورية والعراق واليمن وفلسطين ولبنان، أميركا تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية في الداخل والخارج، وتتلمّس ضعفها مقارنة بما كانت عليه خلال حرب تموز 2006، لذلك السيد حسن تحدث بثقة عارمة وفاهمة للعجز «الإسرائيلي» عن شنّ أيّ حرب دون أن تأخذ الضوء من أميركا، وهذه الأخيرة لم تعطها الضوء الأخضر لأنّ الأمن الأميركي اليوم أهمّ من الأمن «الإسرائيلي»، خاصة أنّ العديد من الكتّاب في أميركا وديبلوماسيتها تعترف بأنّ الدور «الإسرائيلي» السلبي أصبح عبئاً عليها وعلى مصالحها.
هذا الخطاب الذي انتظرته ديبلوماسيات القرار، وزعامات الرمال، وقادة المراقبة والفساد والخيانة، وتناقلته كلّ الوسائل الإعلامية في العالم والعدو قبل الصديق باستثناء قناة «المستقبل» في لبنان والأقنية الخليجية، هو الحدث والمحدث، هو النقاط التي وضعت على خرائط حروب الصهاينة في المنطقة، وهو فصل الانتصار في معركة خاضتها المقاومة على أمل الحرب الكبرى، والتي ستحدّد خريطة جديدة وشبه نهائية للمنطقة، الحرب المقبلة هي الحسم، ونحن أبناء الأرض، ودائماً أصحاب الأرض ينتصرون، لأنهم يستشهدون على تراب يعشقونه ويعشقهم ويعرف رائحة دمائهم!!