رميش… بلدة سياحية بامتياز يعشق أهلوها زراعة التبغ
تحقيق: غادة دايخ وكوثر عيسى
بلدة استوطِنت من مجموعات بشرية متعدّدة ومتنوعة عبر الحقبات التاريخية، فكانت التسميات المتعدّدة منذ العهود القديمة حتّى اليوم، رميش الجنوبيّة، إسم يعتبر مصدراً مهماً لما يحمله من دلالاتٍ دينية، جغرافية وإثنية، وتعود البلدة في وجودها إلى ما قبل المسيح، إذ عُثر فيها على تمثالٍ يعدّ من بقايا معبد، عدا عن بعض الدلائل.
تسميات عدّة أطلقت على بلدة رميش الجنوبية، لكن الاسم الأكثر قرباً من الواقع، يعود إلى الجذور الكنعانية… «بيت شمس». تقع بلدة رميش على تلّة ممهدة بين بركتين شرقية وغربية، تحيطها عدّة تلال وجبال، تغطَيها أشجار السنديان والبطم التي تحجب عنها أشعة الشمس بسرعة عند المغيب.
بلدة رميش تابعة لقضاء بنت جبيل، وتمتد بمحاذاة الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية بعدما كانت تابعة لمديرية تبنين من قضاء صور في عهد الاستعمار الفرنسي. يحدّ البلدة من الجنوب فلسطين ومن الشمال قرية عين إبل، ومن الشرق والشمال الشرقي بلدة يارون، ومن الغرب بلدة عيتا الشعب.
تجاور رميش أهم القرى مثل يارون، بنت جبيل، بيت ليف، مارون الراس، حانين، عيتا الشعب، رامية، القوزح، وامتدت مساحة البلدة عبر العصور وتوسّعت بعدما كانت مزرعة صغيرة. وأصبحت في أواخر القرن العشرين قرية كبيرة، إذ وصلت مساحتها العامة إلى حوالى عشرين ألف دونم.
ترتفع رميش عن سطح البحر حوالى 700 متر، وتبعد عن بيروت حوالى 135 كيلومتراً، أي أنها من أبعد المناطق الجنوبية عن العاصمة، هي من كبريات رعايا أبرشية صور المارونية من حيث عدد سكانها المسجلين في النفوس، ويبلغ 11.000 نسمة، المقيمون فيها حوالى 9000 نسمة، ويصل عدد المهاجرين إلى 1000 نسمة فقط.
تمتاز تربة رميش بخصوبتها ومقاومتها الجفاف صيفاً، وتصلح لزراعة التبغ والبلّوط والصنوبريات والحبوب على أنواعها والخضار والأشجار المثمرة، كما يسيطر على البلدة المناخ المتوسطي عموماً، وتأثير واضح للمناخ القارّي ورياح الخماسين.
رميش من أقرب القرى إلى التخوم مع فلسطين المحتلة، إذ يحدّها «الخط الأزرق»، فمنذ عام 1948، تقبع ثلث أراضي البلدة داخل الحدود مع فلسطين. كما أنّ رميش هي القرية الوحيدة من الناقورة حتّى شبعا فيها حظر أمنيّ على حدودها مع فلسطين المحتلة، إذ إنّ العدو «الإسرائيلي» وضع الألغام على كافة تلك الحدود.
تعتبر رميش منطقة زراعية بامتياز، إذ يعتمد أهلوها على اكتفائهم الذاتي لتأمين لقمة العيش. ففي موسم زراعة التبغ، ترى البلدة تمتلئ حقولها بالمزارعين على رغم أن تلك الزراعة تعتبر من الأشغال الشاقة. إلّا أنّ الأهالي يجدون فيها فخراً لأنها مورد عيش وإنماء للبلدة وهي سبب صمودهم. هذا ما عبّر عنه أهالي البلدة لـ«موقع صوت الفرح الإلكتروني».
زرنا البلدة، واطّلعنا على أوضاع أهاليها وسهولها، لإظهار ما في الجنوب من قرى سياحية بامتياز. ففي بلدة رميش عدد من المطاعم والفنادق الراقية بطلّتها الجبلية المميزة، والمسابح التي تعتبر من أجمل المسابح في لبنان.
في البلدة لجنة لأموال الوقف والنشاطات، تقوم بصيانة المدافن والكنائس، وتهتم بأملاك الوقف وتختص بالعقارات فقط. تأسّست اللجنة عام 1990، ويعيَّن مسؤولها من قبل أبرشية مدينة صور لثلاث سنوات قابلة للتجديد، وتضم حالياً الأعضاء: دانيال جرجس، فهد الحاج، الياس الياس، رزق الله العلم، مارون طانيوس وإيلي شوفاني. ومن كهنة الرعية: الأب نجيب العميل والأب طانيوس الحاج.
وعلى رغم أن رميش قرية تعتمد على الزراعة، إلّا أنّ أبناءها يركّزون على الوظيفة، كما أن عدداً كبيراً من شبابها منخرطون في القوات المسلحة اللبنانية، تعادل نسبتهم عدد لواء بالجيش اللبناني، ما بين جيش ودرك وأمن عام.
قدّمت هذه القرية الجنوبية الصامدة بأهلها عدداً من الشهداء على صعيد الوطن، منهم الشهيد اللواء فرنسوا الحاج، الرجل الوطني الذي فقده لبنان قبل أن تفقده قريته وأهله ومحبّوه، ويبقى اليوم رمزاً وفخراً لأهالي بلدته ووطنه.
رئيس البلدية
هدف بلدية رميش الأساس اليوم، تأمين المياه للبلدة، لأن ما ينقصها، هو المورد المائي، بحسب حديث رئيس البلدية رشيد خليل الحاج، الذي أضاف: «وزارة الطاقة والمياه مشكورة على تقديم بئر ارتوازية، وبعد شهر ستضخّ المياه وتستعمل، وثمة بئر أخرى مقدّمة من مجلس الجنوب، كما قدّمت الوزارة أربع محطات كهرباء، وعبّدت وزارة الأشغال بعض الطرقات بعد تقديمنا عدد من الملفات وأُنجز أكثرها.
تدفع البلدية 450 مليون في السنة للصندوق البلدي المستقل، وهذا لا يكفي لمتابعة كل الحاجات والمتطلبات، إلّا أننا نحاول جاهدين تقديم ما تستحقه البلدة وما يطالب به الأهالي».
وقال: «جمع النفايات يكلفنا سنويا تسعين مليون ليرة، ورُصدت مليار وستمئة وخمسين مليون ليرة لبناء مدرسة مهنية في رميش، وبسحر ساحر انتقلت الأموال من الجنوب إلى عكّار، ونحن نرفع صوتنا إزاء هذه القضايا».
ووجهت بلدية رميش إلى مدير عام «شركة الريجي» المهندس ناصيف سقلاوي كل الشكر للاهتمام بالبلدة ووقوفه إلى جانبها دائماً. كما شكرت كلّ الوزارات التي دعمتها.
نائب رئيس البلدية
والتقينا نائب رئيس البلدية ميشال طانيوس شوفان الذي قال: «عانت بلدة رميش من وجودها على الخطّ الأزرق بعض المشاكل بسبب القضايا الأمنية والألغام والمساحات المحظورة، على رغم أنّ الأهالي يحتاجون لهذه الأرض. كما عانت المنطقة الكثير قبل التحرير عام 2000، كنّا مقيّدين ومسيّرين، وليس لنا أيّ قرار أو رأي أو دور على الأرض، كنّا إذا أردنا العبور من قريتنا إلى بيروت نمر بصعوبة، وأواخر الثمانينات كان الناس يغادرون بحراً، لأن الطرقات البرّية كلّها كانت مغلقة. مرّ علينا الكثير ولكن مقارنة باليوم، نحن نعيش بأمان وهذه نعمة، والزراعة ثبتتنا في أرضنا، وإن كنّا بلدةً فقيرةً، إلّا أن غنانا يتمثل بوجودنا في أرضنا بكرامتنا».
ويتابع شوفان: «على الصعيد الأمني، نوّجه رسالة لكل اللبنانين من الدولة والشعب، ونقول لهم أننّا نفتخر اليوم بالأمن لدينا، والسبب يعود للسلطات الأمنية المدعومة حتّى من الأحزاب الموجودة على الأرض.
وعلى الصعيد الإنمائي نحن ننسّق دائماً مع اتّحاد البلديات في قضاء بنت جبيل والقلعة ونطالب مجلس الوزراء بخطّ صرف صّحي من قضاء بنت جبيل إلى البحر، نتمنى على الدولة مساعدتنا فقط على الصعيد الإنمائي، ونفتقر اليوم لمياه الشرب، ولكن الأمور ستشهد انفراجاً أكثر هذه السنة.
تفتقر قرى عدّة إلى اهتمام الدولة، إذ وصل استخفاف الدولة اللبنانية إلى استبعاد حقوق المواطنين الملحة، خصوصاً في أشد الظروف أي الحرب وما بعدها، وأصبح الواقع أكثر من إهمال، فبلدة رميش هي القرية الوحيدة التي لم تنل أيّاً من المستحقات من الدولة اللبنانية بعدما وُعدنا مراراً وتكراراً بعد عدوان تموز 2006 بتسلّم مبالغ مالية معينة، ولكن ذلك كله كلامٌ على ورق، وكل محاولات البلدية للمطالبة بحقوق الأهالي باءت بالفشل حتى اليوم.
عام 2006 أُنجز في بلدة رميش مركز صحّي شبه مستشفى من خلال مجلس الإنماء والإعمار ، أُهمل المركز منذ عام 2006 حتَى 2011، وعام 2014 جُهّز بجميع المعدّات المتطورة وحديثة الصّنع، وفيه: مركز تصوير أشّعة، مركز فحص دم، غرفة عمليات للولادة، آلة لفحص الحنجرة، عيادة أسنان، وطابق لغرف النوم… سُلّم المشروع للبلدية لكن الموازنة لا تكفي لتغطية تكاليفه، ونطالب وزارة الصحّة أن تتكفل بتكاليف المركز الصحّي التي تصل إلى حدود الملايين في الشهر الواحد. حاولنا بشتّى الطرق عن طريق الجمعيات وغيرها للمساعدة، لكن من دون جدوى».
ويبقى مشروع المركز الصحي على رغم امتلاكه كلّ المقوّمات المفيدة لكل إنسان في كل مكان، معلّقاً في مكانه بلا اكتراث، بلا أيّ دعم، فقط النصائح هي ما تلقاه البلدية، والنصائح فقط.
الأب شكر الله شوفان
الجولة في رميش شملت أيضاً الأب شكر الله شوفان، الذي عمل 19 سنة مدرّساً في جامعة الروح القدس في الكسليك، وانتقل إلى رميش وأسسّ ديراً يضمّ ثانوية، وفرعاً لجامعة الروح القدس الكسليك لإفساح المجال أمام سكان المنطقة للإفادة من تقديماتها التربوية والبقاء في أرضهم التي طالت معاناة أهاليها في الفترة الأخيرة من تاريخ الوطن. وكان حفل الافتتاح في 25 أيار 2002 برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
كما قدّم الأب شوفان لبلدته كتاباً تحت عنوان «تاريخ رميش»، وجاء في الإهداء: «إلى أبناء النبلاء الذين رووا بعرقهم ترابها وأرضها المعطاء، ولا يزالون يقدّمون كلّ التضحيات في سبيل تقدّمها وازدهارها، فيمشون بعزّها كما مشى الآباء والأجداد، ويحفظون ذكراهم خالدة مدى الأجيال».
المختار
ريمون بولس مخّول، مختار البلدة يقول باقتضاب: «لربما الحديث عن رميش يطول لما فيها من روايات وجماليات وحكايات عامرة بسكّانها، وابنها المتعلّم والذي يملك شهادة جامعية يعمل في أرضه في زراعة التبغ من دون أيّ تردد، على رغم أنّ أصعب الأيام مرّت علينا خلال الحرب، وقصّرت الدولة كثيراً في حقّنا، إلا أننا أقوياء وأعزاء بقدرتنا».
والد الشهيد فرنسوا الحاج
وكان لقاء مميز مع والد الشهيد اللواء فرنسوا الحاج الذي قال: «أفتخر بولدي شهيداً على مذبح الوطن، وكلّنا فداء للوطن والجيش اللبناني، واليوم قائد الجيش يقوم بمهمة كبيرة ولكن على النوّاب والوزراء التعاون مع المؤسسة العسكرية. فهم رأس الدولة وإن كانت السلطة العسكرية للجيش ولكن إن لم يساعدوه سيبقى الجيش ضعيفاً وسيدمَّر لبنان. علينا بالوحدة والتضامن لبناء الوطن العزيز والدفاع عنه».
تصوير محمد أبو سالم
الجمعيات والمراكز العامة
تتعدّد الجمعيات الأهلية في بلدة رميش، وتتنوّع معها النشاطات الاجتماعية والثقافية والرياضية، وحدّثنا الخوري نجيب العميد ذو اليد الطولى في تأسيس عددٍ من هذه الجمعيات، عن قدرتها على الاستمرار منذ سنوات، ناشرةً في البلدة العلم والمعرفة والترفيه على مدى سنوات. ومن هذه الجمعيات:
ـ «الندوة الثقافية»، تأسّست عام 1961، جمعت عدداً من الشباب في رميش، تقدّم نشاطات عدّة، خصوصاً في الصيف، إذ تقوم كل سنة في العطلة الصيفية بـ«أسبوع نظافة» وإزالة كل العوائق في البلدة، نشاطات رياضية، ندوات ثقافية، مسرحيّات ومهرجانات سياحية وغيرها، كما تقّدم المعونات للمحتاجين.
ـ «الجمعية الخيرية»، تأسّست عام 1969 في مدينة بيروت وضواحيها، وتهدف إلى جمع أهالي رميش في المدينة بلقاءات للتعارف، والبقاء على تواصل دائم، كما عملت على شراء أراضٍ لبناء مدافن للبلدة.
ـ «نادي التجلّي»، أسّس عام 2000 وهو نادٍ اجتماعي ورياضي.
ـ «جمعية مار جرجس» تأسّست عام 2014 وتقوم بنشاطات مختلفة في البلدة.
ـ «أخوية العذراء»، وتضمّ رجالاً ونساءً، يتولاهم مرشد ليحثهم على العلاقات الاجتماعية والمحبّة، والأموال التّي تجمع تقدّم للفقراء والمرضى.
ـ الكشّافة، التي تأسست عام 1971، وتشمل ثلاث فئات عمرية الجراميز، الكشّاف، الجوال ، وللكشافة مقرّ خاص أنشئ بمساعدة الخيّرين.
ـ مركز الصليب الأحمر اللبناني الذي أًسس عام 1985، وبدأ بالمشروع المطران يوسف خوري مطران مدينة صور قديماً ، إذ قررّ إقامة مركز في رميش وتطوّع فيه عدد من شبّان اللبلدة. ويعمل المركز على نطاق واسع على مستوى الجنوب، وتبرّع أحد أبناء البلدة الخيّرين لبناء مقرّ للمركز، وأنجز بتطوع بعض المتبرّعين. ويرأسه اليوم نمر العلم رئيس «الندوة الثقافية».
ـ مركز الدفاع المدني، تأسّس عام 2001 بمتابعة من الخوري نجيب العميل بعدما زار وزارة الداخلية وطالبها بإقامة مركز في البلدة وأنجز المقر الذي كان له دور كبير في عدوان تمّوز لجهة إعالة الجرحى اللبنانيين.