لبنان تحت مطرقة الخارج ومحرقة نظامه السياسيّ
} د. وفيق إبراهيم
التواطؤ بين النظام السياسي اللبناني وتدابير الخارج لدفع لبنان نحو الفوضى العميقة، أصبح مكشوفاً.
قد تبدو هذه المعادلة غريبة لأن المهمة المفترضة للنظام السياسي في اي بلد هي الدفاع عنه وحمايته من تدابير داخلية او خارجية تريد تمزيقه.
لبنان اذاً هو الاستثناء الوحيد على هذه القاعدة ولديه قوى سياسية تشتبك فيما بينها حيناً وتتهادن في احيان اخرى، لكن هذا لا يمنعها من تشكيل نظام تحالفي يقوم على تحاصصها للمغانم الادارية والاقتصادية من طريق الهيمنة السياسية على الآليات الثلاث للنظام وهي رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة.
تكفي مراقبة عمليات تشكيل الحكومات منذ سنة تقريباً لتتضح موضوعية هذه المعادلة. فبعد استقالة سعد الحريري حاولت معظم القوى السياسية اعادة تكليفه، لكنه اعتصم برفض تبين ان أبعاده اقليمية ودولية.
وبعد أشهر من اليأس السياسي والمشاورات العقيمة جرى تشكيل حكومة حسان دياب التي تبين ان وظائفها شكلية فقط لمجرد التأكيد على وجود آليات دستورية إلا انها لم تتمكن من العمل بقرار من الذين شكلوها الا بالسطحي منه، وذلك لعدم استثارة تصعيد مذهبي او طائفي في البلاد.
ولم يعرف احد حتى اليوم، لماذا عاودت الطبقة السياسية تكليف اديب بتشكيل حكومة جديدة وسرعان ما تبين ان «الأديب» يحظى بتأييد فرنسي وآخر من رؤساء الحكومات الأربع السابقين ومن بينهم سعد الحريري.
لكن حركة «الأديب» لم تطل وذلك بعد محاولات مكثفة سعى فيها لإنتاج حكومة تحظى بموافقة الفرنسيين بخلفية اميركية وتأييد من الحريري وحلفائه.
فرحل الأديب تاركاً لحكومة دياب مهمة تصريف الأعمال بشكل ثانويّ. وفجأة عاد الحريري الى دائرة التشكيل مصراً في واحدة من مقابلاته التلفزيونية على أحقيته برئاسة الحكومة لأنه وكما قال حرفياً انا «ابن رفيق الحريري».
فعاد دياب إلى تصريف الأعمال ورحل الأديب ولا يزال سعد الحريري عاجزاً عن تشكيل حكومة جديدة في صراعات على تعيين الوزراء مع الرئيس ميشال عون وحول حصة المسيحيين تحديداً.
إلا ان الصراع الداخلي غطى قراراً أميركياً سعودياً بمنع التشكيل الحكومة إلا في حالة واحدة وهي إقصاء كل ما له علاقة بحزب الله من أنصار ومحازبين عن أي تشكيل حكومي.
فهل هذه مصادفة؟
يعرف الرئيس السابق للحكومة الحريري انه لا يستطيع تسمية أسماء الوزراء المسيحيين والشيعة والدروز، فلماذا إصراره على هذا الأمر؟
ولماذا يسمح بتسريب هذه المعلومات لوسائل الإعلام؟
فيتضح أنه ساعٍ وراء انسداد متعمد في التشكيل الحكومي تنفيذاً لتعليمات دولية بضرورة هذا الإرجاء حتى إشعار آخر.
وذلك استكمالاً لمطرقة بناء فوضى عميقة في لبنان تدفع كل المعترضين على السياسات الأميركية الى الاستسلام او الاختناق.
هناك اذاً ما يبيح الاستنتاج بالعلاقة البنيوية بين التعطيل الداخلي لتشكيل الحكومة وبين رغبات دولية إقليمية ليس فقط بخلق عراقيل تمنع التشكيل إنما بالتمسك بموقع الرئاسة المكلفة بتشكيل الحكومة حتى إشعارات أخرى؟
ما هي هذه الإشعارات؟ هناك لقاء مباشر سعودي – إسرائيلي حدث منذ أيام عدة بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الكيان الإسرائيلي نتنياهو ومدير مخابراته كوهين في مدينة نيوم السعودية.
وهذا اللقاء يجسّد نقلاً لسياسات التحالف السرية بين الفريقين الى المستوى العلني.
الامر الذي يؤكد أن القوى اللبنانية المحسوبة على الخط السعودي الأميركي ذاهبة نحو المطالبة بتطبيع مع «اسرائيل» بدأت ملامحه بالانكشاف من خلال دعوة إعلامية وجّهها وزير خارجية الكيان الاسرائيلي الى الرئيس ميشال عون طالبه فيها بلقاء ثنائي في أي بلد أوروبي لحل النزاعات حول الحدودين البحرية والبرية وصولاً الى ضرورة التطبيع السياسي كما ورد في الدعوة الإسرائيلية.
لبنان اذاً ذاهب نحو وضع أخطر من ذي قبل يضيف الى الانهيار الاقتصادي انهياراً سياسياً من شأنه تفجير الاوضاع الداخلية، وذلك بين فريقين: احدهما يريد العلاقات مع «اسرائيل» على النمط السعودي وآخر يُصرّ على ان اسرائيل كيانٌ معادٍ ولا يمكن إقامة اي نوع من العلاقات معه.
فهل يرعى الحلف السعودي الأميركي تدهوراً متعمداً في العلاقات بين الطوائف الى جانب الانهيار الاقتصادي، فتكتمل ملامح خطة إسقاط لبنان وعلى مستوى الدولة والشعب؟
هذا ممكن، لأن المشروع الاميركي السعودي يريد استهداف أدوار حزب الله اللبنانية والإقليمية، وبما أن الاحتراب الداخلي هو الوسيلة المضمونة لهذه العرقلة، فلماذا عدم اللجوء اليها؟
لذلك فإن لبنان حالياً هو بين مطرقة الخارج ومحرقة نظامه السياسي بما يؤكد ضرورة تشكيل حكومة تمنع سرعة نقل أزمات هذا النظام والمطالب الأميركية السعودية الى الشارع الطوائفي.
هذا إلى جانب اعتماد سياسة الانفتاح نحو سورية والصين والعراق كآخر الحلول الممكنة لمنع إحراق لبنان.