اليمن… صمود ما قبل الانتصار!
} صادق النابلسي
نحن أهل اليمن لا نخضع لأحد. دائماً نحب الحرية ونحارب من أجلها !
من حديث مواطن يمني لأمين الريحاني – نيويورك 1921
لم يكن هناك خوف من شيء… ما يحدث لليمنيين منذ سنوات من قتل وترويع وحصار وإبادة، مع سكوت غربي وعربي وإسلامي اللهم إلا من بعض الدول والمنظمات والمكونات الشريفة يكشف عن مشاعر الحقد واللامبالاة والرضا عما يحصل. صفقات السلاح الأوروبية والأميركية تجد طريقها سريعاً إلى آل سعود وآل نهيان. مدد السلاح تتدفق من دون انقطاع على حلف هدفه إخضاع أهل اليمن الذين يقاتلون من أجل دينهم وحريتهم وكرامتهم وهم حفاة، ومع ذلك يُدانون على مقاومتهم، أما الغزاة والقتلة وتجويع الملايين وحرمانهم من الماء والدواء فأمر طبيعي ولا غبار عليه. تصوّروا؟ في عصر «حق الشعوب في تقرير مصيرها» و«حقوق الإنسان» و«المنظمات الحقوقية» و«محاكم العدالة الدولية» التي تجرّم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، يحصل كلّ ذلك. وهؤلاء الذين يتشدّقون بالسلام والديمقراطية هم الذين بنوا للسعودية والإمارات كلّ هذه الترسانة من السلاح الفتاك وزوّدوهما بكلّ شيء لاستمرار الجرائم الوحشية. أميركا جاءت بجيوشها وبوارجها وأقامت قواعدها لتنطلق مع المجرمين للعبث والإفساد وتدمير كلّ معالم الحياة والحضارة التي تملأ اليمن من جباله إلى سواحله. آل سعود وآل نهيان تمّ استئجارهم من قبل الاستعمار ليقودوا حملات طمس الهوية الإسلامية وتدمير الثقافات والقيم المحلية الأصيلة وتحويل هذه البلاد المباركة والميمونة إلى واحات من الخراب والركام والفتن. لكن اليمنيّين أذكى وأشجع من أن يعطوا رقابهم لهؤلاء المجرمين الذين يواصلون مخططاتهم ويمضون في تآمرهم وهم حتماً سيخرجون مثقلين بالخسائر في العتاد والأرواح. يحتمي آل سعود وآل نهيان بالحضن الأميركي ولكن ليعتبروا ما حلّ بشاه إيران صديق أميركا «المخلص»، وبـ «حسني مبارك» و«زين العابدين بن علي» وغيرهم ممن رفضت الولايات المتحدة الأميركية أن تؤويهم. صحيح أنّ أهل اليمن فقراء ومنكوبون بالفتن ولكنّهم أهل شهامة وطيبة ورجولة وصدق وإباء وتضحيات. وتاريخهم يقول إنهم خير أجناد الأرض وكلّ مَن دخل أرضهم محتلاً سينكسر. المكر الغربي يدفع بهؤلاء المجرمين الصغار إلى أفعال أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي لكنهم يغفلون عن جحيم قادم عليهم أشدّ هولاً سيأكل ما تبقى من مالهم وثرواتهم وقوتهم بعدما فُتحت الطريق مرصوفة لدخول «الصهاينة» ملوكاً متوّجين على أرض تمهّد لهم لتكون دار أمان وتجارة وهناء. أعداء الشعب اليمني جميعهم متفقون على هدم البوابة اليمنية. فبدون هدم تلك البوابة لن يكون التطبيع مع الصهاينة مريحاً ولن تقدر «إسرائيل» أن تطأ بأقدامها المنتصرة كلّ «جزيرة العرب». وهؤلاء يعتقدون أنّه إذا استمرّ الشعب اليمني على صموده فلن تقلب الموازين ولا أحد يعرف ماذا سيكون عليه المستقبل !
الشعب اليمني تزداد يوماً بعد يوم قناعته رسوخاً بالمقاومة، وشعوره بالقيمة العظيمة بالإنجازات التي يحققها والتحوّلات الإيجابية التي ستفضي إلى بناء دولة مستقلة قوية مزدهرة. العجلة لن تعود إلى الوراء حتماً، فلقد هبّ الشعب اليمني للتصدي للمؤامرة التي استهدفت وحدته وسعت لتمزيقه وهو يُثري بممارساته البطولية وبحرصه ونبله هذه المرحلة التاريخية التي ستكون فاصلاً بين الحق والباطل !
بناء على هذا التمهيد يمكن أن نشير إلى مجموعة من الأهداف والنتائج التي يتوخاها الأعداء.
أولاً : بالنسبة إلى السعودية
ـ يتعامل السعوديون مع اليمن من جهة الأحقاد التاريخية ولطالما عملوا على زعزعة استقرار اليمن وتقويض سلمه الاجتماعي والسياسي.
ـ محاولة إلحاق اليمن بالسعودية سياسياً واقتصادياً ومنع أيّ عملية بناء للدولة وأيّ ازدهار في شتى مجالات الاقتصاد.
ـ ضمان الصراع القبلي بين أبناء اليمن حيث تمدّ السعودية عدداً من القبائل بالمال والسلاح لإدامة التقاتل .
ـ منع وحدة اليمن تارة بواسطة أنصارها من القبليين والإسلاميين وأخرى عبر الضغوط السياسية والتدخلات العسكرية الميدانية كما هو حاصل اليوم.
ـ طمع السعوديين بالاستيلاء على مزيد من الأراضي اليمنية وهو طمع قائم على تطلع آل سعود على نحو دائم إلى ما وراء الحدود تطبيقاً للمثل الإنكليزي «إنّ عشب حديقة الجيران هو دائماً أكثر اخضراراً من عشبنا».
ـ منع تحوّل اليمن إلى بلد ديمقراطي يتبنى التعددية السياسية والصحافة الحرة.
ـ منع تحوّل اليمن إلى قاعدة معادية للاستعمار والولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني.
ـ تقويض كلّ محاولة لقيام حركة ثورية تؤمن بالإسلام الأصيل وتدعو إلى وحدة الأمة ومقارعة الاستكبار أو تسعى لتبني القضية الفلسطينية ومطالب الشعب الفلسطيني.
ـ منع أيّ تفاعل بين مكونات ثورية في اليمن مع أيّ مكوّن ثوري خارجي كحزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي في العراق أو دولة تتبنى قضايا الأمة كالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ثانياً: بالنسبة إلى الإمارات
ـ الدور الذي تقوم به الإمارات على الصعيد اليمني والإقليمي هو دور الأداة التي تنفذ السياسات الأميركية وتخدم مشروعها ومصالحها.
ـ التدخل في الساحة اليمنية يأتي في سياق بعدين. البعد الأول مساعد السعودية في عدوانها ومحاولة إخراجها من مأزقها. والبعد الآخر توسعي مرتبط بأطماع الأمارات للسيطرة على بعض الجزر والموانئ الاستراتيجية الهامة.
ـ إنّ تحقيق الإمارات أيّ إنجازات ميدانية سيمكّن «إسرائيل» التي وقّعت اتفاقية «تطبيع للعلاقات» معها على أن تضع أقدامها على حدود الخليج وقلبه وسيحاول الطرفان تغيير موازيين القوى الداخلية بضرب «أنصار الله» أو التوجه لتضييق الخناق على إيران باعتبارها عدواً مشتركاً.
ثالثاً: بالنسبة إلى الكيان الصهيوني
ـ فإنّه ينطلق من الأحوال المضطربة في العالم العربي لتصدّر المشهد الإقليمي.
ـ يريد اليمن جزءاً من مصالحه الأمنية والاستراتيجية.
ـ تعزيز إمساكه بالمنافذ البحرية وخصوصاً باب المندب.
ـ تجهيز نفسه ليملأ الفراغ الذي سينشأ عن انهيار الدول الخليجية بإقامة نظام إقليمي يتبعه تماماً.
ـ يتوافق مع السعودية في منع تحويل اليمن إلى مركز ثورة وقيادة ونموذج إسلامي مقاوم.
رابعاً: بالنسبة إلى الولايات المتحدة
ـ استمرار الولايات المتحدة الأميركية في استراتيجية الحصار والخنق ما سيشكل فرصة في المستقبل لعقد تسوية يخضع من خلالها اليمن بالكامل إلى الإرادة الأميركية.
ـ تحكم أميركا بالكامل بثروات اليمن والتأثير على اقتصاده.
ـ خلق عدو وجودي هو السعودية وبالتالي إشغال البلدين بالحرب والخلافات الحدودية والدينية وغيرها لما يشكل ذلك من تهديد لأمنهما القومي.
ـ دعم اللغة الاستعلائية للسعودية في وجه اليمن «الفقير والمستضعف» وإعطاء وعود مزيفة للسعوديين في خيرات اليمن وأرضه مقابل المال والنفط والحماية التي يحتاجها أمراؤهم.
ـ الإطاحة بكلّ الجهود الدولية والوساطات التي تقوم بها دول صديقة للشعب اليمني لوقف العدوان إلى حين تحقيق المصالح الأمنية والاقتصادية.
ـ منع كلّ من إيران وروسيا من أن يكون لهم أيّ دور يؤثر على طبيعة التوازنات القائمة في اليمن والخليج عموماً.
ـ تحجيم حركة أنصار الله وتقييد حركتها ومنعها من امتلاك تكنولوجيا عسكرية يمكن من خلالها تهديد الملاحة البحرية أو المصالح الأميركية في السعودية والخليج.
ـ منع حضور اليمن في سياقات القضايا الإقليمية كالقضية الفلسطينية وإغراقه أكثر في النزيف الداخلي القاتل.
ـ في مطلق الأحوال لا تبدو ظروف العدوان والتوازنات التي تحكمها إضافة إلى ما يحيط بأميركا وحلفائها من تخبّط يمكن أن تتوفر على عناصر النجاح. لا يمكن لقوى العدوان أن تؤسّس نقطة ارتكاز لصياغة تحوّل كبير لصالحها.
صحيح أنّ الأميركي ومعه كلّ من السعودية والإمارات يحافظون على سقوفهم العالية من خلال استمرار الحرب والتشدّد في أيّ مسار تفاوضي، لكن الجميع يعرف أنّ الحرب فقدت أيّ مبرّر كانوا يدعونّه في سياق مواصلتها. وهم فقدوا هيبتهم وتفوقهم العسكري وعجزوا حتى هذه اللحظة عن تحقيق أيّ مكسب يمكن صرفه في إطار تسوية تأخذ بعين الاعتبار مصالح أميركا وحلفائها. فلا استراتيجية الأرض المحروقة وارتكاب المجازر والحصار نفعت ولا استعمال «الردّ المرن من الداخل» عبر الوكلاء والمرتزقة حقق نتائج يمكن الاستناد إليها في أيّ عملية تفاوض.
كانت استراتيجية قوى العدوان الرئيسية: تسعى لإبقاء اليمن ضعيفاً مفككاً متخلفاً مقهوراً عليلاً غائباً عن الوجود السياسي والحضاري، وإبقائه كذلك معزولاً عن بقية العالم العربي والإسلامي لا يستطيع ان يشعر أنّه جزء من كلّ فيعطي لنفسه فاعلية تؤثر في موازين الصراع والعلاقات فاقداً لأيّ قوة. ولذلك كانت استراتيجية آل سعود تاريخياً هي التالية: إذا كان اليمن فارغاً من مظاهر القوة والاقتدار والعمران والحضارة فهو الأمن والهناء لهم. أما إذا امتلأ بعناصر القوة والعلم والتنظيم والحضارة فهو الخطر كلّ الخطر. وقد جاءت المقولة المتداولة عن الملك عبد العزيز لأبنائه وهو على فراش الموت: «رخاؤكم في ضنك اليمن وصحتكم في أساه»، أو تلك المقولة الأخرى التي يكثر اليمنيون تردادها عما يبطن آل سعود من أحقاد على اليمن وأهله: «خيركم من اليمن وشركم من اليمن» ليعطي الصورة الواضحة عما تريده السعودية وشركاؤها من تقييد لحركة اليمنيين لمنعهم من تحويل اليمن إلى مركز يصنع التفاعلات ويبني القدرات، وكان الجهد تاريخياً وحتى اللحظة أن يظلّ اليمن تحت سيطرة الوكلاء وداخل دائرة النفوذ الغربي من خلال استغلال كلّ المشاكل الكامنة فيه واللعب على تعقيداتها. وهذا ما لا يرتضيه شعب اليمن الأبي الذي لا يمكن أن يخضع لأحد لأنه شعب الإسلام وشعب الخير والكرامة !
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية