ثلاثيّ «صفقة القرن» يقرع طبول الحرب… فما الممكن؟ وما المتوقع؟
العميد د. أمين محمد حطيط*
رغم المكابرة يبدو أنّ دونالد ترامب سيجد نفسه ملزماً في 20 كانون الثاني/ يناير 2021 بالخروج من البيت الأبيض بعد أن خذلته صناديق الاقتراع. وبذلك يكون ظنّه قد خاب وخسر التجديد، أما الخيبة الأكبر والشعور بالخسارة الأعظم فقد كان من نصيب الضلعين الآخرين معه في مثلث «صفقة القرن» أيّ نتنياهو ومحمد بن سلمان اللذين عملا معه في تلك الجريمة التي بات واضحاّ أنّ أهدافها تتعدّى تثبيت «إسرائيل» بشكل نهائيّ على كامل أرض فلسطين التاريخيّة مع بعض جزر تعطى للفلسطينيّين ظرفيّاً لتذويبها لاحقاً بالكيان العنصري اليهودي، تتعدّى ذلك الى تهويد المنطقة بكاملها وإخراج كلّ من يرفض الاستسلام لـ «إسرائيل» منها، وما القرار الذي اتخذته الإمارات العربية بعد استسلامها لـ «إسرائيل» في إطار ما سُمّي «تطبيع» وفتح أبوابها لليهود من دون تأشيرة دخول، مترافقاً مع منع دخول مواطني 13 دولة عربية وإسلامية إليها إلا أول الغيث وصورة نموذجيّة لما سيكون عليه وجه المنطقة إذا نجح الثالوث غير المقدّس في فرض «صفقة القرن» نموذج يقول فيه الصهاينة وعملاؤهم «لا يدخل علينا شريف يرفض الاستسلام لإسرائيل».
بيد أنّ خسارة ترامب جعلت الثالوث يقلق على «صفقة القرن» هذه، قلق يفاقمه الظنّ بأنّ جو بايدن سيراجع معظم سياسات ترامب في المنطقة ويصحّح ما أفسده، وفي طليعة ذلك الملف النووي الإيراني، ما سيُعقد من أوضاع ضلعَي الصفقة ويثير خشيتهما من المستقبل. لذلك وكما يبدو اتجهت أفكار المثلث الشيطانيّة الى إنتاج واقع في المنطقة ينشر ظلاله على جو بايدن الرئيس الجديد ويلقي بثقله عليه ويمنعه من نقض ما حبكه ترامب، ولأجل ذلك يخطط الثالوث لحرب على إيران بخاصة وعلى محور المقاومة عامة تكون على وجه من اثنين أولهما أن تهاجم أميركا المنشآت النووية الإيرانية بشكل تدميري وتردّ إيران عليها وتندلع الحرب، والثاني أن تبدأ بهجوم «إسرائيلي» على إيران فتستدرج رداً من المقاومة على «إسرائيل» فتتدخل أميركا لحمايتها وفي الحالين سيرسم مشهد ميداني يصبح الحديث معه عن مفاوضات حول إحياء التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي الإيراني مع الدول 5+1 حديث من غير مضمون ولا فائدة فيفرض ترامب بذلك قراره على بايدن بعد أن يكون قد خرج من البيت الأبيض.
إنه التخطيط للعمل العسكري ضدّ محور المقاومة إذن، تخطيط وإعداد نفذ في سياقه حتى الآن أكثر من عمل وأتمّ أكثر من سلوك بدءاً بإعادة الانتشار الأميركي في أفغانستان والعراق (حول إيران) مروراً بتحرك بعض قطع الأسطول البحري الأميركي في الخليج وإبعادها عن متناول الصواريخ الإيرانية، ثم نشر طائرات B-52 القاذفات الاستراتيجية الأميركية في قواعد جوية في الشرق الأوسط، وما أعقبها من اجتماع ثلاثي في «نيوم» السعودية بمشاركة بومبيو ونتنياهو ومحمد بن سلمان، وصولاً الى التعميم العسكري «الإسرائيلي» الصادر عن وزير حرب العدو والموجّه الى جيشه يأمره فيه بالاستعداد لمواجهة ظرف تقوم فيه أميركا بقصف إيران قريباً.
إنّ تحليلاً لكلّ ما تقدّم من معطيات يحمل المقدّر العسكري والاستراتيجي الى وضع احتمال شنّ حرب من قبل المثلث العدواني ذاك كأمر لا بدّ من وضعه في الحساب، ولكن لا يمكن اعتباره الاحتمال الممكن الوحيد لأكثر من اعتبار. ويجب الوقوف على الوجه الآخر من الصورة ربطاً بقدرات الطرف الذي سيُعتدى عليه وعلى إمكاناته وعلى اتقاء الضربة وإفشالها أولاً وعلى قدرته على الردّ وقلب مسار الأحداث عكس رغبات المعتدين.
وفي هذا السياق نتوقف عند مواقف وأحداث لا يمكن تجاوزها في معرض تقدير الموقف هذا، أوّلها كلام السيد علي الخامنئي منذ أيام لجهة قوله بأنّ إيران «جرّبت المفاوضات من أجل رفع العقوبات ووقف التدابير الكيديّة، لكنها لم تحصل على نتيجة وبات عليها ان تجرّب غيرها»، وأضاف «رغم أنّ الحلّ الآخر سيكون مؤلماً في البدء إلا أنه سيأتي بنتائج سعيدة»، كلام ترافق مع القصف اليمنيّ لمحطات «أرامكو» لتوزيع المحروقات قرب جدة، وهو قصف له دلالات استراتيجيّة وسياسية وعسكرية كبرى في مكانه وزمانه غداة الاجتماع الثلاثيّ التحضيريّ للحرب وعلى بعد بضع عشرات الكيلومترات من جدة، ثم إعادة الانتشار التركيّ وتنظيم مسرح العمليات في الشمال والشمال الغربي السوري حول إدلب، بما قد يُنبئ بقرب عمل عسكري قريب في المنطقة، وأخيراً ما يتمّ تسريبه من رفع درجة جهوزيّة المقاومة في لبنان وبكلّ أسلحتها استعداداً لأيّ طارئ ومن أيّ نوع.
على ضوء ما تقدّم نقول انّ مثلث العدوان قد يذهب الى الحرب، لكن محور المقاومة ليس في الوضع الذي يخشى من هذه الحرب، صحيح أنه لا يسعى إليها لكنه لا يخشاها، لا يخشاها بذاتها كما لا يخشى تداعياتها، فإذا تسبّبت الحرب بإقفال باب التفاوض ومنعت العودة إلى إحياء التوقيع الأميركي على الملف النووي الإيراني، فلن تكون المسألة بالنسبة لإيران نهاية الكون، وإذا تسبّبت الحرب بتدمير منشآت إيرانية فإنها ستؤدي حتماً الى تدمير الكثير في «إسرائيل» والسعودية وستؤدي حتماً الى إفساد فرحة «إسرائيل» مما تحقق حتى الآن من «صفقة القرن» وعمليات التطبيع.
نعم الحرب ستكون مؤلمة، كما يشير السيد الخامنئي، أو كما يوحي كلامه ضمناً وستكون طويلة أيضاً، لكن نتائجها ستكون سعيدة وستغيّر الكثير مما نخشاه ويقلقنا في المنطقة.
نقول بهذا من دون أن نتصوّر لحظة انّ «إسرائيل» لا تدرك كلّ ذلك، أو أنّ الدولة العميقة في أميركا لا تحيط به علماً، فإذا كانت رعونة المثلث العدواني قد تدفعه الى الحرب فإنّ مصالح الكيان الصهيوني والدولة الأميركية ستضغط لمنعها، والسؤال لمن ستكون الغلبة للمتهوّر أم للمتوازن؟
احتمال تقدّم المتهوّر في تهوّره لا يمكن نفيه رغم نسبته الضئيلة التي لا تتعدّى الـ 15%، أما احتمال تقدّم المتوازن فهي الأرجح، وهنا قد يتقدّم التصرف العسكري المحدود المتمثل ببنك أهداف أمنية أو عسكرية يستهدفها ترامب قبل رحيله بعد أن يكون قد قبض الثمن الباهظ مقابلها من السعودية، وهنا سيكون بنك الأهداف عبارة عن قيادات هامة تستهدف بالاغتيال على غرار عملية اغتيال الشهيد قاسم سليماني، كما تشمل مراكز عسكرية عملانية لفصائل المقاومة والحشد الشعبي في العراق وسورية، عمليات تتناغم وتنفذ بالموازاة مع ما يجري الآن من إحياء وتنشيط لخلايا داعش في موجة إرهاب جديدة تضرب العراق وسورية برعاية أميركية…
*أستاذ جامعي – باحث استراتيجي.