اتركني بعد يومين
} الأمين سمير رفعت
التقيته في عمّان حين زارني في سبعينيات القرن الماضي، تجمعنا العقيدة القومية الاجتماعية أولاً وثانياً… وعاشراً، ويجمعنا همّ فلسطين الجرح الكبير، الكبير، في جسد الأمة.
استضفته في بيتي في عمّان، وكنا ننطلق الى قيادة فتح – مكتب التعبئة والتنظيم – لبحث أمور تتعلق بالعمل المقاوم، أودعه هناك وأنطلق أنا إلى عملي في التلفزيون الأردني حيث كنت مذيعاً للأخبار ومراقباً لبرامج التلفزيون. ونتفق أن نعاود اللقاء في ساعة معيّنة لننطلق الى مطعم الأمين يوسف المعلم لتناول طعام الغذاء، واذكر انّ اسمه «الدبلومات» في الدوار الأول من جبل عمّان.
كان سؤاله الدائم هل اتصلت بالأمين يوسف ليجهّز لنا الغذاء؟ وكنت استغرب تسرّعه في كلّ ما يريد ان ينجز، الى ان سألته: لماذا العجلة سنصل الى المطعم ونطلب ما نريد، الى قال لي مرة: يا رفيقي العزيز انت تنام ليلاً وعندك أمل ان تفيق صباحاً وتكمل ما تريد إنجازه، أما أنا وسرطاني الذي يأكل جسمي فلا صباح لي، لذلك أريد ان أنجز كلّ ما لديّ من أفكار وخطط الآن فقد لا يترك السرطان لي مجالاً للغد…
تذكرت هذه الكلمات وأنا أقرأ في الصفحة الرائعة التي خصّصها الأمين لبيب ناصيف للرفيق الشهيد فؤاد الشمالي وهو الشاعر اولاً، وقد سبق موته بأن قال له:
يا موت ع مهلك ع أيامي
عندي خبار مخبّيا لبعدين
اتركني بعد يومين…
غادرت عمّان بعد أيلول الأسود وأتيت بيروت، فقد كانت دمشق مقفلة أمامي بمذكرة توقيف بسبب انتمائي الحزبي وبينما كنت أتمشى في شارع الحمرا أمام مقهى الهورس شو، رأيت الرفيق فؤاد الشمالي وعائلته الأمينة اليسار وأظن اخته فيلومين باتجاه سينما الحمرا، حيّيتهم جميعاً وقال لي أنا عائد إلى أوروبا وحين أرجع إلى بيروت سنلتقي لأنّ أمامنا جهداً كبيراً لم ننته منه بعد…
تبادلنا التحية وراح كلّ في إتجاه، وبعد ثانيتين التفت ورائي فوجدته قد التفت أيضاً باتجاهي وخطا نحوي وقبلني قائلاً: لوهلة شعرت أنني لن أراك مرة ثانية… وغادر.
المؤلم أنها كانت المرة الأخيرة التي ألتقي بها الرفيق فؤاد إلى أن عاد مستشهداً. ولم أنقطع عن زيارة منزله في رأس بيروت لألتقي هناك الأمينة الأولى والأمينة أليسار، وكثيراً من فؤاد الشمالي الذي لم يمهله الموت «بعد يومين» وما زلنا نحن رفقاؤه نردّد مع صديق عمره طلال حيدر:
طاير من فوق «سهيلة» رفّ حساسين
يرفرف من ميلة لميلة ينقوب ياسمين
حاشية: في الشام مثل شائع يتداوله الشاميون للتدليل على مديح الأصدقاء لبعضهم البعض، فيقولون: هؤلاء من «بيت فستق» أيّ أن كلّ فرد يقول عن الآخر كلاماً معسولاً جميلاً، تذكّرت هذا المثل وأعاده إلى ذاكرتي ما يقوله الأمين الجزيل الإحترام لبيب ناصيف عني، وعن غيري حين أزوّده بمقالة لصفحته الرائعة التي ما زالت تذكّرنا بالأيام الناصعة لحزبنا العظيم، معلناً فرحه بمساهمات الرفقاء، وما أردّ عليه من كلمات حبّ بتنا نفتقر إليها في زمن الكراهية التي تعصف بنا،
أمين لبيب إيها الصديق الصديق أبارك لحزبنا بأمثالك والرفيقتين أروى وزينب الرائعتين، وليقل عنا من يقول إننا من «بيت فستق» على الورق تحسّباً من الجائحات اللعينات.