الوطن

هل يصمد لبنان
 حتى رحيل ترامب؟

 

} د. وفيق إبراهيم

أربعون يوماً عاصفاً يترقبها العالم بأسره من سياسات أميركية هوجاء تبدو وكأنها تحاول الانتقام لفشلها في السنوات الأربع الماضية المتعلقة بالولاية الرئاسية للرئيس الحالي ترامب، الذي يتحضّر حالياً للرحيل من البيت الابيض بعد خسارته في الانتخابات الاخيرة.

يضع ترامب بالاشتراك مع حليفيه الاسرائيلي والخليجي خطة يتأملون أن تسهم في تدمير بعض النجاحات الإيرانية والسورية واليمنية وتلك المتعلقة بحزب الله في لبنان. ويريدون في الوقت نفسه التأسيس لعداء احترابي بين هذه القوى الصامدة في الشرق الأوسط وبين سياسات الرئيس الأميركي المقبل جو بايدن الجانحة لفتح قنوات حوار مع إيران والتهدئة في مجمل الإقليم.

لبنان اذاً جزء أساسي من القوى التي تصوّب عليها سياسات ترامب لأنه العرين لتيار أساسي لبناني وإقليمي في آن معاً وبالإمكان اعتباره رمزاً للانتصار على المحور الأميركي الإسرائيلي الإرهابي في الشرق العربي ونموذجاً قابلاً للتقليد في العالم الإسلامي.

كيف يستهدف الأميركيون لبنان؟

الضغط الأساسي اقتصادي ويتدحرج حكماً نحو السياسي، فالعقوبات التي فرضتها السياسات الأميركية على مجمل النظام الاقتصادي اللبناني مع جناحه المصرفي وتلك التي أصابت حركة امل وتيار المرده والتيار الوطني الحر وحزب الله، هذه الصدمات أصابت عن عمد إمكانية تشكيل حكومة جديدة.

فكيف يمكن لأي رئيس حكومة ان يشكل حكومة لا تضم فريقاً سياسياً متحالفاً يمتلك الأكثرية النيابية الوازنة في المجلس النيابي وإذا نجح بالفرار من التشكيلة السياسية الى تشكيلة من متخصصين مستقلين. فهذا يعني أنه بصدد تشكيل حكومة موالية له بالكامل. وهذا ما ترفضه موازين القوى الداخلية، او أنه يعمد الى التفاهم سراً مع القوى السياسية الممنوعة أميركياً من المشاركة الحكومية، يتفاهم معها على أسماء مستقلين تربطهم بها علاقات ولائيّة في تقاطعات معينة، وهذا ما يأباه الأميركيّون.

للإشارة فإن الأميركيين أبلغوا حسب ما سربته جهات نافذة الحريري بأنه قد يتعرّض لعقوبات أميركية اذا تعاون وزارياً بشكل واضح او ملتبس مع الجهات اللبنانية المعاقبة أميركياً.

هذه هي أسباب الحركة الحريريّة المصرّة وفي الوقت نفسه على التمسك المطلق بالتكليف والمراوغة في التأليف الى أن يسمح الأميركيون له بإعلان تشكيلته. ولهذا الموقف أبعاده المنسجمة مع العقوبات الأميركية، لان عزوف الحريري لا يعني إلا تكليف سياسي جديد وتشكيل حكومة من الغالبية النيابية اللبنانية قد تحاول إنقاذ لبنان من خلال انفتاحها على جهات دوليّة جديدة.

هي إذاً مرحلة عسيرة يجد النظام السياسي اللبناني الذي دمّر الدولة ونظامها المصرفي العام والخاص منذ أربعة عقود، نفسه وحيداً مجرداً من أي إمكانات اقتصادية يراهن على دور فرنسي ما أو ضغط من الفاتيكان لنجدة الدولة من الانهيار والكيان من التصدع.

ما يرجّحه الخبراء هنا، أن الأميركيين لن يقبلوا إلا بحكومة مكتملة تضم حزب القوات لجعجع والمستقبل للحريري والكتائب وجنبلاط مع شيعة من متخرجي السفارة الأميركية ويحملون على الأغلب جنسيتها وإلا فإنهم يدفعون باتجاه تفجير لبنان حتى يصل الى مرحلة توافق فيها حكومته المرتقبة على منع حزب الله من الاقتراب من الحدود الجنوبيّة مع فلسطين المحتلة والحدود مع سورية.

هذا بالإضافة الى إعلان ملزم من الحكومة الجديدة برفض أي سلاح آخر غير سلاح الدولة.

هناك وسيلة أخرى يجد فيها الأميركيون عنصراً داعماً للخنق الاقتصادي وتتعلّق بتأجيج عدوانية إسرائيلية هي موجودة أصلاً الى أقصى درجة، وذلك للاستفادة من الانقسامات الداخلية اللبنانية والانهيار الاقتصادي المتصاعد.

لذلك فإن الأسلوبين الأميركيين، الدفع نحو الخنق الاقتصادي وتفجير الوضع الأمني بغارات واغتيالات، يطبقهما الأميركيون في لبنان منذ ستة أشهر على الأقل، وتمارس «إسرائيل» الجانب الأمني منها في كل وقت.

لكن الجانب الأمني يجابهه حزب الله المستهدف ببراعة وحرفيّة متمكنة، والدليل أن العيون الإسرائيلية التي ترصد دبيب النمل بالتعاون مع بعض القنوات الداخلية، لم تنجح بتنفيذ عملية اغتيال او تفجير وهجوم في مناطق تمتد من البقاع والجنوب والضاحية وبيروت الغربية وسورية وهي أماكن يتحرّك فيها الحزب بحريّة.

بما يعني أن سياسات الأربعين يوماً أميركياً من خطة ترامب لن تمرّ في لبنان من محاولات لإثارة حرب داخلية لبنانية او تنفيذ عمليات إسرائيلية.

لأن «إسرائيل» تعلم أن تنفيذ عمليات مباشرة في الداخل اللبناني يسفر فوراً من حركة قصف مباشر وسريع لمئات المواقع الإسرائيلية في فلسطين المحتلة ومن دون توقف، كما أن أي اختراق إسرائيلي لأراض لبنانية في الجنوب، يؤدي الى إعادة إنتاج حرب 2006 مع اضافة المزيد من احترافية حزب الله في حروب الغوار الشعبية.

ضمن هذه المعطيات يجد الأميركيون انفسهم مكرهين في هذه الايام الاخيرة من ولاية ترامب على الاستمرار بممارسة ضغطهم الاقتصادي وتفعيله على نحو أكبر، آملين ان يتسبب بتفجير العلاقات الداخلية اللبنانية.

هذا يستتبع طرح سؤال عن مدى قدرة الحريري على مواصلة تطبيق الخطة الأميركية؟

ليس لدى الحريري المرتمي في الأحضان الفرنسية الخليجية الأميركية إلا مواصلة تعقيد تشكيل الحكومة، ولن يتحرك نحو التشكيل إلا بعد تلقيه تعليمات فرنسية واضحة بالانطلاق نحو حكومة مستقلين ترضى عنها قوى 8 آذار ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر.

وهكذا يكون لبنان دائماً ضحية أقطابه السياسيين الذين يعملون تحت سقوف الدولة الراعية على حساب مصالح اللبنانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى