المعارضة السورية والحلم الضائع….
جمال العفلق
كان من الممكن أن يكون لها دور مختلف، وكان من الممكن أن تتحول إلى قوة سياسية حقيقية، وأن يكون لها حاضنة شعبية منافسة، لكنها اختارت خدمة الخارج أولاً، بهدف الوصول إلى مصالح شخصية لا تتعدى حدود الطموح الفردي بالمال أو الشهرة أو المنصب السياسي.
إنها المعارضة السورية بلا منازع، اختار رُوّادها والمنتمون إليها طريق اللاعودة، فكانوا أشدّ عداءً للشعب السوري من أعداء سورية، غلب عليهم الطابع المذهبي وفكر إلغاء الآخر كما غلب عليهم، في أحيان أخرى، الرغبة الملحة في الحصول على امتيازات فردية.
لم يتفقوا على شيء سوى تدمير الوطن والتضييق على الشعب السوري، قدر الإمكان، ليرضى بهم أو يتمنى الخلاص بأي ثمن ممكن. تستروا على جرائم القتل ولم يتحدثوا عن الدعم الكبير الذي يصل إلى المتطرفين، بل اعتبروا هذا من ضمن استراتيجيتهم في إتمام مشروع القضاء على الدولة السورية، كمؤسسات وأفراد، وإعادة سورية إلى ما قبل التاريخ وتحويلها إلى دولة فقيرة لا حول لها ولا قوة.
ليس لديهم قرار خاص، إنما تأتيهم القرارات مكتوبة بلغات عدة، وعليهم الترجمة والتنفيذ.
كان أكثرهم يعيش حالة الفرح والسعادة لتكرار ظهوره الفارغ على شاشات التلفاز، وهذا أقصى طموحهم. ولا شكّ في أنهم يدركون تماماً أنهم يخدمون أعداء المنطقة و«إسرائيل»، لكنهم راضون بما يقدمون.
انقسموا إلى معارضة الداخل ومعارضة الخارج، وفي الخارج انقسموا إلى مجموعات، تخدم كلّ منها أجندة خاصة بالدول المعادية لسورية… همهم أن يقسِّموا الوطن وهدفهم إثارة النعرات الطائفية والمذهبية. لا يخلو خطابهم من الغباء السياسي ولا تتجاوز استعراضاتهم الإعلامية حدود المبتدئين. ولم يكن مَن في الداخل أفضل منهم إلا من رحم ربي…
كانت مصر قبلتهم، عندما كانت تحت حكم «الإخوان المسلمين» وتحت رحمة المال القطري والنفوذ التركي، وبعد تبدّل الأحوال أصبحت مصر، في رأيهم، عدوّة لا يجب السماح لها بأي مبادرة تحقن الدم السوري، فانكشف خضوعهم لتركيا ومخابرات أردوغان، وقرّروا إغلاق ما يسمى مكتبهم التمثيلي وفصل المجموعة العاملة فيه إدارياً، عقاباً لها على مشاركتها في اجتماعات القاهرة، ما يُعتبر رسالة صريحة أرسلتها تركيا إلى مصر عبر هذه المعارضة بأن لا تتدخل في الملف السوري.
إنّ الدور الذي تقوم به المعارضة السورية اليوم ليس أقل من دور «إسرائيل» تجاه الشعب السوري والمنطقة، وكان ذلك واضحاً في نقل إعلام المعارضة للعملية العسكرية التي قام بها رجال المقاومة في مزارع شبعا، في وقت كان عليها الصمت كي لا تنطق كفراً، لكنّ دورها في خدمة الصهيونية دفعها إلى قول ما يخجل به أي إنسان يملك الحدّ الأدنى من الكرامة الإنسانية.
فالعملية العسكرية التي نفذتها المقاومة خلطت الأوارق السياسية وكشفت مدى ضعف الداعم والمدعوم، وأثبتت أنّ الحرب المستمرة منذ أربع سنوات لم تمنع المقاومة من الردّ على «إسرئيل» التي قرأت في الردّ استعداد تحالف المقاومة لحرب مباشرة ومفتوحة وعلى كلّ الجبهات.
هذه الرسالة التي فهمها «الإسرائيلي» أضاعت حلم المعارضة السورية في الوصول إلى ما حلمت به بأن تردّ «إسرائيل» بحرق الجنوب اللبناني، ولم يدرك الحالمون أنّ الكيان الغاصب لا يعترف بالعملاء ولا يقدم على عمل يخدمهم، إلا إذا كان هو المستفيد الأول منه.
هذه الأحلام التي ضاعت، هي أحلام من اعتمد على عدو شعبه وأمته، ظناً منه بأنه سيوصله إلى هدفه، وسيكون الكلام مكرّراً إذا سألنا: ما هو مشروع المعارضة السورية الذي تريد تقديمه إلى شعب صامد صابر ومكافح لا يعرف إلا صناعة الحياة؟ وماذا تملك تلك المعارضة من مقومات ليقبل بها شعب لا يهدأ ولا يستكين؟
تفاخر المعارضة السورية البائسة بعملية إرهابية استهدفت عدداً من المدنيين كانوا في زيارة دينية، لكنها أجبن من أن ترفع صوتها أمام جرائم الوهّابية والمتطرفين، وهي لا تملّ من تكرار عبارات بعينها مثل «الكيماوي»، «السكان الآمنين»، «طائرات النظام»، وهي تعلم أنّ جمهورها، إن كان لها جمهور، لم يعد يكترث لمثل هذه العبارات لأنها لا تنطبق على الواقع. فقد جرّب الشعب السوري الفصائل المسلحة وذاق منها الأمرَّين وأصبح الأمان الوحيد لتلك المناطق هو وصول الجيش السوري إليها. وقريباً سيكون الجيش على كامل الجغرافيا السورية، شاء من شاء وأبى من أبى.