مقالات وآراء

احفظوا ألباب لبنان…

} د. ربيع بعلبكي*

لكي لا يفوتنا قطار الابتكار!

ولا نأخذ الوطن إلى الدمار والانحدار الفكري التربوي والاستهتار، وبين التنظير والانتظار اللذين يضيّعان الاستقرار ويلوذ شبابنا بالسفر والفرار، وبين قرار كيدي وقرار خفي وقرار انتحار، يفوتنا قطار التعليم في زمن يجب أن يكون للجميع حق التعلم على الابتكار

فما هي بعض أسرار الانتصار على جائحة كورونا المستجدة

والمؤلمة؟ خاصة عندما انقسم الأهالي بين منتظر زوال الأخطار ومنظر أفكار ومبتكر حلول بإصرار، خاصة أصحاب المدارس وأصحاب القرار، وأين نحن في لبنان تربوياً واجتماعياً واقتصادياً من هذه الأخطار؟

هل غياب او استغياب قيادات الدولة الموثوقة والمؤتمنة يفوتنا قطار الابتكار؟ وأهمّ المحطات المركزية هي محطة التربية والتعليم منطلق كلّ قطاع نحو الريادة في طريق تحقيق النجاح والاستقرار والسعادة.

 مؤكد حتى الآن أنّ قيادة هذه المحطة المركزية (وزارة التربية والتعليم العالي) قد رسبت (أخفقت) عند تعرّضها لأربعة امتحانات قاسية مجتمعة متحركة وهي الوضع الاقتصادي والسياسي، وجائحة كورونا، وما زاد من كوارث آخرها انفجار المرفأ الأليم الأثيم عامةوهكذا اعتمدت قاعدة «اشحذ تعش» وداخلياً يسري بعض كبار المسؤولين في الأموال هدراً وإهمالاً وفساداً كما يحصل الآن في أروقة وزارة التربية والتعليم العالي! فإن لم تحاسب افعل ما شئت!

ومع كلّ ذلك الألم دعونا ننظر إلى الشرفاء الحريصين على الوطن وخاصة المجتمعات المدنية المتخصصة والتي درست وأصدرت وشاركت خططها في حلّ الأزمات عبر تفكير إيجابي عقلاني عملاني علماني إنساني بدل ان ننتظر وننظر! فهل ما زال باب الفرج والحلّ مفتوحاً لإنقاذ العام الدراسي؟

للإجابة على هذا السؤال يجب تحديد أخطر التحديات ودراسة الواقع ووضع الحلول العلمية والتشريعية والفنية للاستثمار في بناء الإنسان القادر على الابتكار ومواكبته بخطط استراتيجية منبثقة عن خبراء يتمتعون بالإدارة والإرادة النافذة الثاقبة

ونعيد تقويم خطة الاستجابة تباعاً كي نبني أسس الاستمرار والاستدامة وحيث انّ لكلّ مشكلة حجم تتمثل باحتياجات وآليات ومدة زمنية، فمن المجدي أولاً أن نمدّد العام الدراسي الحالي إلى نهاية شهر آب 2021، ويقتصر التعليم حالياً من بعد حتى تأمين اللقاح المنتظر بين شهري شباط وآذار ونعوّض بين العامين في كلا الحالتين، إما الانتصار على الجائحة أو استمرارها.. وحيث أنّ تحديات واحتياجات جديدة ستطرأ عند الأهل توجب تعزيز مهارات التعليم المنزلي للأهل القادرين على ذلك وتوجب إنشاء مراكز مجتمعية تعليمية

Comunity Learning Centers CLC

لتساعد بدل للاهل الذين ليس باستطاعتهم مواكبة أبنائهم من المنزل لأيّ سبب خاصة الأهالي الموظفين حيث تكون هذه المراكز مشروطة بمعايير صحية عالية وتقوم على شبك التلميذ مع معلميه في المدرسة، علماً أنه في حال قرار التعليم من بعد وليس المدمج حتى نهاية شهر آذار يمكن تحويل المدارس إلى مراكز اجتماعية تعليمية لمن يرغب الحضور والمتابعة من مدرسته لكن على قاعدة تغيير البيئة التعليمية في الصف ووضع حواجز شفافة مع تعقيم مستمرّ ومراقبة التباعد والاحتكاك والتجهيزات لذلك، خاصة الكهرباء والانترنت على أنه من الأفضل بالنسبة للأجهزة اعتماد طريقة BYOD Bring Your Own Device  أيّ جلب جهازه الخاص إلى المركز المجتمعي إلا في حال لا يمتلك جهاز وأضعف الإيمان الحضور إلى المدرسة مرة كلّ أسبوعين لتقديم الامتحانات تحت نفس شروط مراكز CLC ومن ناحية تحديات المحتوى الرقمي الهامة جداً فيجب اتباع المنصة الرقمية التفاعليةDLi  اوDLP  التي أنشأها المركز التربوي للبحوث والإنماء واستمرارية تطويرها وهي تحتوي على معظم الموارد التي يحتاجها المعلمون والأهل والتلامذة لعملية التعليم والتعلم وهذه الموارد تتخطى الكتاب الورقي كونها تفاعلية تعتمد على الأنماط التعليمية السمعية والبصرية والحركية وتتكيّف بسهولة لتراعي الفروقات والمستويات التربوية الفردية وتساهم في تمكين مهارات جميع المولجين بالعملية التعليمية التعلمية، لا سيما المعلمين وتخفف من التدريب المباشر لهم وتخفض ساعات التعليم المتزامن حيث يمكن حينها اعتماد الصفّ المعكوس Flipped Classroom  عبر تعزيز المحتوى الرقمي الغير متزامن ولا يحتاج إلى انترنت إلا حين التحميل أو استضافة المحتوى لدى خوادم الداتا التابعة لوزارة الاتصالات فتصبح مجانية التحميل، وهنا يكون دور الصف المعكوس هاماً عبر مشاركة المعلمين مع المتعلمين المحتوى الرقمي التفاعلي قبل حصص التعليم المتزامنة ليتحضّر ويقرأ وينغمس ويفكّر وينتقد ويبحث ويشارك ويبدي رأيهولهذه الطريقة الكثير من الفوائد في بناء مهارات التعليم في القرن الواحد والعشرين وخاصة أنّ ثلاث مهارات أضيفت في الآونة الأخيرة هي الإبداع ونمط الشخصية والمواطنة الرقمية إلى الثلاث مهارات الأساسية التفكير النقدي والتواصل والتعاون، ومن هنا ندرك أهمية التربية على الابتكار للجميع التي يمكن من خلال اعتماد منهجيات تعليمية تعلمية مثل إطار STEAM  وما بعد هذه المنهجية من أبعاد على أن نبدأها دون التذرّع بتغيير المناهج! وللعلم هذه المنهجية عمرها في الولايات المتحدة واليابان ٣٠ سنة وانطلقت تحت تسمية STEM

Science Technology Engineering and Math .

ومنذ ١٠ سنوات أضافت د. واكمان الأميركية الأصل البعد الخاص بدمج المواد مع الإنسانيات والفنون فأصبحت تسمّى STEAM ، وهي عبارة عن طريقة تعليمية عملية قائمة على البحث والتطوير، أيّ تطبيق المشاريع عبر هندسة تطبيقية فنية للعلوم والرياضيات باستخدام التكنولوجيا في تنفيذ المشاريع الابتكارية دون اعتماد التلقين وحفظ فقط حيث يرتقي التعليم والتعلم إلى المستويات العلية بتطبيق نظرية

Bloom Taxonomy، والتي توفر ليس فقط تعزيز مهارات التفكير العليا بل ترتقي بالكفايات إلى أعلى ما يمكن تحصيله في بناء الشخصية المهنية لكلّ تلميذ من خلال اكتشاف وإطلاق وتطوير مكامن الإبداع والابتكار لديه.

ولأننا مجتمع هويته الثقافية تتغلب عليها المبادئ والإنسانيات نذهب في طريقنا إلى التحديات في تطوير المناهج والعملية التعليمية إلى أعلى مستوى عدالة اجتماعية وتطبيق أهداف التنمية المستدامة عبر تكريس مبدأ أساسي هو حق الابتكار للجميع وعليه يجب أنسنة إنترنت الإنتاج ليكون التعليم والشخصية المهنية من الأساس مبنية على الابتكار لأجل الإنسان

فيجب علينا أن نبدأ من أنفسنا ونتوسّع إلى المجتمع، فالحوكمة الرقمية الرشيدة كي لا يفوت أجيالنا قطار التربية على الاكتفاء الذاتي والابتكار

فاتقوا يا أولي الألباب واحفظوا ألباب لبنان

*رئيس الجمعية اللبنانية للمعلوماتيين المحترفين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى