رفع الدعم أم ترشيده أم التصرّف بالذهب؟
ناصر قنديل
– ليس صعباً أن يكتشف أي متابع لمسار الدعم الذي كان يقدّمه مصرف لبنان لاستيراد السلع الأساسية وهي الفيول للكهرباء والمحروقات لسوق الاستهلاك والأدوية والقمح والسلع الغذائية وبعض السلع الاستهلاكية، أن هذا الدعم كان أقرب لعملية تمويل شبه شاملة للمستوردات ليست فيها أية محاولة لدعم الطبقات الفقيرة، أو الأشد فقراً، والحكومة التي شكلت غطاء لهذه العمليّة بداعي الدعم لم تقم بأي دراسة تُبنى عليها خطة واضحة للدعم بطريقة التوجّه لأصحاب الحاجة مباشرة وليس عن طريق تمويل الاستيراد من قبل التجار، فلم نسمع صوتاً يقول، طالما أن الهدف هو دعم الذين يستحقون، وليس تمويل الاستيراد، لماذا يبيع مصرف لبنان دولاراته للمستوردين بسعر 1500 ليرة، أليس الأفضل تخصيص مساهمات مالية لمستحقي الدعم وترك الاستيراد للعبة السوق، وضمن مسؤوليّة التجار وعلى عاتقهم؟
– الجواب واضح، وهو أن الهدف لم يكن يوماً هو الدعم، بل التحكم بتدرج ارتفاع سعر الصرف وانفلاته، من خلال تمويل الاستيراد من أموال المودعين المسماة احتياط، سواء كان احتياط المصرف المركزي أم احتياط المصارف، وما أنفق من هذه الودائع لتمويل الاستيراد، كان للحفاظ على سعر الصرف تحت الـ 10000 ليرة، بينما التوقف عن تمويل الاستيراد من الدولارات الموجودة لدى مصرف لبنان، سواء باعها لهم بـ 1500 ليرة للدولار، أو بـ 10 آلاف ليرة للدولار، سيؤدي حكماً في اللحظة التي يقول مصرف لبنان للمستوردين اشتروا دولاراتكم من السوق، الى تدحرج انهياري في سوق الصرف قد يبلغ معه سعر الدولار أرقاماً خيالية، قد يكون رقم الـ 100 ألف ليرة فيه ليس وهماً ولا خيالاً، ولن يكون لا لترشيد الدعم ولا للدعم أية وظيفة عندها.
– النقاش الذي يجري الآن تحت عنوان رفع الدعم أو ترشيده يبدو عنواناً وهمياً لقضية أخرى، فالمطروح اليوم ليس تقليص سلة المستوردات المدعومة، أي التي يبيعها مصرف لبنان الدولارات للاستيراد، أو تعديل سعر بيع الدولار المخصص للاستيراد، بل انسحاب مصرف لبنان من سوق بيع الدولار وترك السوق يمول الاستيراد، وفي السوق مصدر للدولار هو تحويلات الاغتراب، يوفر نصف فاتورة المستوردات وسيؤدي طلب تمويل الاستيراد الى محاولة سحب مدخرات الناس المجمّدة في منازلها من الدولارات، والتي تكفي لتمويل ستة شهور من النصف الثاني لحاجات الاستيراد، والطلب على هذه الدولارات لسحبها، سيؤدي حكماً لرفع سعر الصرف خلال شهر الى 20000 ليرة، اي الضعف، وكل شهر الى الضعف، أي 20 – 40 – 60 – 80 – 100 الف ليرة، للدولار خلال ستة شهور، وبعدها تنفد المدخرات وتصبح الارتفاعات في أسعار الصرف خيالية، ولنتذكر عام 1987 والقفزات الخيالية لسعر الصرف من 17 ليرة الى 1700 ليرة، أي مئة مرة، والثمانية آلاف ليرة للدولار تصير ثمانمئة ألف ليرة.
– لأن مصرف لبنان يعلم ذلك، فطرح النقاش حول الدعم اليوم سيكشف هذه المشكلة قريباً، ليصير النقاش حول كيفية تمويل الاستيراد، والجواب الوحيد هو تسييل الذهب أو رهنه كلياً أو جزئياً، ولأن الأمر يحتاج إلى تشريع جرى رمي كرة النقاش الى مجلس النواب، وكما أهدرنا العملات الصعبة تحت شعار شراء الوقت، سنهدر الذهب تحت الشعار ذاته.
ترسيم الحدود
– حمل الوفد الأميركي الذي يلعب دور الوسيط في مفاوضات ترسيم الحدود، التهديد الإسرائيلي بالانسحاب من التفاوض ما لم يتراجع لبنان عن مطالبته باعتماد رأس الناقورة أساساً لخط الترسيم البحري.
– لو لم يكن الموقف اللبناني قوياً من الزاوية القانونية لما كان الغيظ الأميركي الإسرائيلي ولو لم ينسف الطرح اللبناني الرهانات الأميركية الإسرائيلية على وضع لبنان بين خطي السنيورة وهوف واعتبار خط الـ 860 كلم سقفاً عالياً ليفاجأ بمطالعة قانونية متكاملة مستندة الى القانون الدولي تظهر حقوقاً لبنانية بـ 2200 كلم مربع.
– جواب لبنان على الكلام الأميركي السياسي كان غير سياسي. فالعودة الى توصيف مهمة الوسيط الذي يتولاه الأميركي تستدعي منه تقديم تصورات تتيح الخروج من الاستعصاء الذي تتعرض له عمليات التفاوض وتصوّرات الوسيط ليست مساومة سياسية بل تقديم مرتكز قانوني قابل لتشكيل نقطة انطلاق تفاوضيّة مناسبة فما هي المبادرة الأميركية القانونية؟
– لم يتلقّ لبنان أي جواب على عرضه سوى السعي والمحاولة السياسية. والمشكلة الأميركية الإسرائيلية هي أن العودة للتفاوض من دون مرجعية قانونية تنافس المرجعية القانونية التي قدّمها الوفد اللبناني تبدو مهمة صعبة والانسحاب من التفاوض يعني تعليق الاستثمار في ثروات الغاز على طرفي الحدود مع تثبيت الخط اللبناني المقترح كأرضية سيعود أي تفاوض ولو بعد مئة سنة ليبدأ منها.
التعليق السياسي