هل يجب أن نخجل كلبنانيين؟
ناصر قنديل
– العملية الوحشية التي انتهت بإحراق الطيار العسكري الأردني معاذ الكساسبة، وما حازته من اهتمام دولي وعربي، وما احتلته من اهتمام إعلامي، ذكرتنا من موقع الأشدّ تعاطفاً مع أهله وبلده، نحن اللبنانيين، بمأساة عسكريينا المخطوفين الذين سقط منهم حتى الآن خمسة شهداء ذبحاً وإطلاق نار في عمليات إعدام مشابهة بدم بارد.
– نشعر بالحزن أولاً لمصير هذا الشاب وحزن عائلته، وللطريقة الوحشية المؤلمة التي جرى قتله عبرها، ونشعر بالاشمئزاز تجاه هؤلاء القتلة، الذين يتقدّم عندهم التلذّذ بتعذيب الموت لرهائنهم والاستعراض الهوليودي لأفلام الموت المرعب التي يوزعونها، على مبرّر القتل وشرعية الإعدام وفقاً لمصطلحاتهم، لدرجة يبدو أكيداً أنّ القرار يتأسّس عندهم على الحاجة لإصدار الفيلم وما يتضمّن من مؤثرات وابتكارات وتفنّن في أشكال الإبهار بالوحشية وإثارة الرعب والذعر وجنسية الرهينة ودرجة الصدى التي يحتلها الإعدام في الرأي العام بتوقيت معيّن، وما يصيبه من نتائج في التداعيات، أكثر بكثير بل ربما بدلاً بالمطلق من أن يعنيهم، أولاً وأخيراً مدى تطابق قرار الإعدام مع معايير دينية أو قانونية أو أخلاقية أو قيمية وضعوها لأنفسهم كشرعة، ويفترض أنها الضمير الجمعي لهذه الجماعة المعينة، التي لا تتماسك إلا بمقدار انسجام أفعالها مع سلّم القيَم الذي تلزم نفسها به، حتى تخال أنّ منظومة القيم هنا في حال «داعش» يتصدرها فرح عابثين مشاغبين مختلين عقلياً بدرجة التمتّع والتلذّذ بوحشية القتل، ودرجة مطابقة الفيلم المنشور مع معايير الإبهار والتفوّق على أفلام الرعب.
– نشعر بالألم لأنّ العالم الذي يدّعي اهتماماً ببلدنا، لم يمنح شهداء الجيش اللبناني الذين لا يختلفون إنسانياً هم وعائلاتهم عن الشهيد المظلوم الكساسبة وعائلته، ولا تختلف ظروف خطفهم وإعدامهم عن ظروف خطفه وإعدامه، فالكلّ كان يؤدّي واجبه الوطني والعسكري في مهمّة قتال الإرهاب، نشعر بالألم لأنّ الكساسبة يستحقّ، ولأنّ شهداءنا يستحقون، وربما لأننا نشعر أنّ الفارق يكمن في حجم اهتمام حكومتنا بجعل القضية بحجم عربي ودولي قياساً بحجم اهتمام الحكومة الأردنية بتحويل قضية مواطنها الكساسبة إلى قضية رأي عام عالمية، وربما لأنّ جيشنا أيضاً ليس موضع رضى المعنيين دولياً وعربياً، لأنه يقاتل «إسرائيل» بذات الضراوة التي يقاتل بها الإرهاب، ويتعاون وينسّق مع مقاومة يكيد لها هذا العالم العربي والدولي من موقع دفاعه عن جرائم «إسرائيل» وتعاطفه معها، وشعوره بالخيبة لرفض جيشنا للضغوط لثنيه عن قتال «إسرائيل» والتنسيق مع المقاومة، فنشعر في هذه النقطة ببعض العزاء.
– نشعر ببعض العزاء لأنّ الغضب على جيشنا ناجم عن وطنيته وقتاله للعدو الذي يحتلّ أرضنا ويغتصب فلسطين ومقدسات العرب والمسلمين والمسيحيين، لكننا لا نعذر حكومتنا، بسبب ذلك ونبرّئ ساحتها، ببساطة لأننا رأينا المشهد الأردني السياسي والحكومي مختلف جذرياً عن المشهد الذي رأيناه في بلدنا لبنان، رأينا في الأردن بياناً حكومياً يعد بردّ مزلزل وانتقام يهز المنطقة، ورأينا عناصر «القاعدة» والإرهابيين المحكومين بالإعدام منذ سنين، والذين لم توقّع أحكام إعدامهم في حينها، يساقون فوراً إلى غرف الإعدام تمهيداً لتنفيذ الأحكام، من دون الشعور للحظة أنّ في ذلك رداً على القتل بالقتل، بل تنفيذ مسؤول لأحكام قانون يعطل ويشغل بمفعوله التنفيذي للإعدام بمعايير ما يعرف بالمصلحة العليا للدولة، التي يصادق عليها المرجع الأول وهو الملك في الأردن الذي يقطع زيارته ليتمكن من تصديق أحكام الإعدام قبل الفجر، كي لا تبات الليلة على الشهيد الكساسبة بلا ثأر، وتصل رسالة الردع إلى الإرهابيين، إنْ قتلتم المزيد سننفذ المزيد من الإعدامات المجمدة بحق إرهابييكم، أما عندنا فمجلس الوزراء الذي انتقلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية لتصديق الأحكام المماثلة لإرهابيين مدانين ومحكومين بالإعدام، ممتنع عن مبدأ مناقشة الفرضية، والسبب ليس إنسانياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، بل السبب سياسي صرف، هو أنّ في الحكومة من يريد الجسور ممدودة مع الإرهاب لاستخدامه في مواجهة مكوّن داخلي شريك في الحكومة هو المقاومة، ويخشى لهذه الجسور أن تسقط إذا نفذت أحكام الإعدام بالإرهابيين، ويمكن القول إنه منذ إعدام الشهيد محمد حمية لو نفذ حكم إعدام بأحد المحكومين بالإعدام لتوقف القتل، وأنّ حكومتنا تتحمّل مسؤولية دماء كلّ من تبعوه من الشهداء.
– نشعر بالمرارة لأننا تركنا أهالي العسكريين المخطوفين عرضة لابتزاز الإرهابيين، فصاروا أداة لابتزاز الوطن بقوة الاستخدام الذي يحرّكه رعب مشروع من موت الأبناء، بينما رأينا في الأردن عائلة الشهيد الكساسبة تطالب بالثأر، بدلاً من أن تصير أداة ضغط لتلبية مطالب الإرهابيين، لكننا رأينا الأردن كله معها، ولم تترك في الشارع وحيدة في خيم الاعتصام والقلق والقهر، كما تركت عائلات عسكريين المخطوفين.
– هل يجب أن نشعر بالخجل عندما تتوقف محاكم «داعش» عن إعدام الأردنيين بعد الإعدامات التي تطاول إرهابيين يهمّ أمرهم قادة «داعش»؟ والسؤال إذا كانت بعض الدول كأميركا لا تردع «داعش» بإعدام الإرهابيين الذين يهمّها أمرهم، لأنّ أميركا تريد أن تستخدم القتل لرعاياها في التعبئة للحرب، فهل من المسموح أن يفعل المسؤول اللبناني ذلك لأنه يريد استعمال «داعش» ضدّ شريكه في الوطن؟ وإذا كانت واشنطن تفرج كلّ مدة عن دفعات من معتقلي غوانتانامو وهي تعلم أنهم يذهبون للالتحاق بـ«داعش» عاجلاً أم آجلاً لأنها تريد منهم قتال سورية والمقاومة، فهل من المسموح أن يفعل المسؤول في لبنان ذلك للسبب نفسه؟
– لمرة فلنتمثل بالأردن بدلاً من أميركا.