أبو دياب: الجمود مسيطر على الملف الحكومي والتسويات الإقليمية الدولية قد تأخذ وقتاً
} إيمان شويخ
لا يزال الجمود يسيطر على ملف تشكيل الحكومة، والانتظار سيد الموقف بالنسبة لغالبية الأطراف الداخلية التي تعوّل على تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الرئاسة، ولو أنّ البعض القليل يشدّد على تشكيل الحكومة بمعزل عن أيّ اعتبارات خارجية، وهذا ما لم يقم به الرئيس المكلف سعد الحريري خوفاً من خسارة منصب رئاسة الحكومة.
إلا أنّ العجز الواضح منذ استقالة الرئيس حسان دياب يضاف إليه فاجعة المرفأ التي عرقلت أكثر، يضاف إليها الإمعان في تضييع الوقت والجدل البيزنطي القائم بين الأطراف في الملف الحكومي، فمهمة مصطفى أديب كانت صعبة للغاية في البداية وكانت مسألة الأعراف وما شاكلها مقدّمة لإنهاء تكليفه أو اعتذاره، لكن أمراً آخر برز بقوة مع الحريري وهو النزاع الشخصي مع الوزير السابق جبران باسيل، ايّ ما بين التيارين اللذين لعبا دوراً في تسوية 2016 الرئاسية، اي أنه على الرغم من التركيز على الخارج فإنّ هناك عاملاً داخلياً قد لا يقلّ شأناً عن العوامل الخارجية، وكأنّ بعض الأطراف نسيت أو تناست أنّ وضع البلاد صار في الحضيض وهي لا تستخلص العبر من التجارب السابقة، وكأنّ البلد بألف خير وهي لا تزال منهمكة في نهج المحاصصة، فالكلّ يعتبر أنه إذا كان في جنة الحكم سيكون بألف خير أما إذا كان خارجها سيكون في جهنم، لكن الحقيقة أنّ الشعب هو من أصبح في جهنم ليس إلا.
يعتبر أستاذ العلاقات الدولية د. خطار أبو دياب أنّ العوامل الداخلية التي تتحكم بلعبة تأليف الحكومة ليست بالسهلة لأنّ لكلّ طرف حساباته، فالبعض يفتح معركة الرئاسة، والبعض الآخر يخشى من الانتقام تحت حجة مكافحة الفساد، اما بالنسبة للعوامل الخارجية فيعتبر أبو دياب أنها عادة قديمة بحيث يجب دائماً انتظار «غودو» أيّ انتظار الخارج من أجل الوصول إلى نتائج، لكن الخارج ليس مهتماً كثيراً بلبنان، وربما اهتمام فرنسا عاطفي أو لديها مصالح جعلتها تمسك ملف الحكومة والبقاء فيه، لكن إذا رجعنا إلى لائحة الدول المهتمة، فإنّ لبنان يقع ضمن دائرة الاشتباك الأميركي الإيراني وهذا هو الأهمّ، لكن لا يمكن اعتبار الملف اللبناني جزءاً من الملف الإيراني كما يعتبر البعض، ايّ أنّ المسألة الحكومية داخلية والخيارات داخلية، وحتى لو حصلت عودة لتوافقات خارجية فإن الولايات المتحدة الأميركية ستبقى على موقفها من حزب الله، وهنا تبرز عقدتان أساسيتان، الأولى هي الخلاف على الحصص وبشكل خاص الخلاف حول وزارة الطاقة وهو خلاف خفي لأنّ التيار الوطني الحر على ما يبدو متمسك بها، والمجتمع الدولي لا يريد ذلك على الرغم من موافقته بقاء وزارة المالية من حصة الطائفة الشيعية، لكنه لم يوافق على مسألة إبقاء وزارة الطاقة مع التيار الوطني الحر، أما العقدة الثانية فهي مسألة تمثيل حزب الله أو من ينوب عنه في الحكومة، إذن هذه هي القطبة المخفية في مسألة تشكيل الحكومة ومسألة الرهانات المتعثرة، بحيث أنّ الرهان على تسلم بايدن قد لا يؤتي بنتائج ينتظرها البعض في الحكومة لأنّ الإدارة الأميركية لن تسلّم الملفات فور دخول بايدن إلى البيت الأبيض بالسرعة التي يظنّها البعض، بحيث يمكن أن تبرز الحاجة لانتظار الانتخابات الإيرانية في شهر حزيران 2021، وبالتالي هل يحتمل البلاد ترف الانتظار مجدّداً، المسألة إذن تبرز نوعاً من رهانات في غير مكانها، ويجب العودة إلى نوع من تسوية داخلية حكيمة تقضي فعلاً بالطرح الفرنسي بطريقة عقلانية قد تفضي إلى حكومة أخصائيين لا تستفزّ الأحزاب، مع وحدة في المعايير أيّ تطبيق للمبادرة الفرنسية لئلا يبقى التعطيل سائداً في ظلّ سيف انعدام وجود الأموال في مصرف لبنان، ووصول الوضع المعيشي إلى ما هو عليه والانفجار الاجتماعي الذي بات على الأبواب.
أما بالنسبة للاتفاق الإيراني الأميركي فيعتبر د. خطار أبو دياب أن التوافقات ستكون على مراحل بين الجانبين الأميركي والإيراني لمسألة عودة واشنطن إلى اتفاق 2015 أو طرح مفاوضات جديدة، لكن المسألة قد تستغرق الوقت الكافي أي بعد الانتخابات الإيرانية، وبالتالي فإنّ لبنان الذي لا يملك ترف الانتظار لا يمكنه أن يكون تفصيلاً، وإذا حصلت مصالحة إيرانية عربية قد ينعكس ذلك إيجاباً على لبنان، أما المصالحة الأميركية الإيرانية لوحدها ليس من الضروري أن تنعكس على لبنان فقد يضيع لبنان فيها كجائزة ترضية، او يمكن أن تحصل تسويات على حساب لبنان إذا لم يكن حاضراً على طاولة المفاوضات، او ربما يترك الملف اللبناني معلقاً.
ولكن، ماذا عن المبادرة الفرنسية، في ظلّ احتمال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل عيد الميلاد في 25 من كانون الأول أو بعده، ولكن إذا لم تتشكل حكومة قبل ذلك يمكن أن تقتصر زيارته على زيارة القوات الفرنسية العاملة في لبنان وهي موجودة منذ 1978 وربما هذا أطول وجود فرنسي خارج أفريقيا في العالم ويعني اهتمام فرنسي دائم بلبنان، ويعتبر أبو دياب أنّ البعض أفرغ المبادرة الفرنسية من مضمونها والبعض فسّرها كما يريد وتمّ تجويفها، والآن تحوّلت المسألة الحكومية إلى مسألة دولية، حيث أنّ الروس والصينيين سوف لن يقدّموا أيّ مساعدات للبنان من دون إصلاحات وقطع دابر الفساد، والبدء بالعمل الجدي في مكامن الهدر المالي، المسألة إذن حساسة جدا، وهي ليست مقتصرة على فشل شخص واحد وهو الرئيس الفرنسي، فما كان يحذر منه وزير الخارجية الفرنسي منذ تموز/ يوليو الماضي عن إمكان زوال لبنان في الذكرى المئوية لتأسيسه يعني زوال الدولة، والمؤسسات والتأقلم الاجتماعي، وهذا ما انعكس وسينعكس سلباً على مستقبل اللبنانيين ولبنان.
وحول الموقف الأميركي لا بد من انتظار مجيء إدارة بايدن في هذا الخصوص وذلك في أقلّ من شهرين، وقد يكون هناك بعض الاهتمام بلبنان أو عودة إلى عقلانية معينة، كقبول أخصائيين ترضى عنهم الأحزاب ويمكن أن يكون ذلك حلاً وسطاً، فالولايات المتحدة لديها ربما إشارات معينة قد لا تكون شبيهة بإشارات ترامب في عهده، فهل سيكون هناك تمديد للعقوبات على سياسيين آخرين وهل سيكون الموضوع فعلاً فساد أو صلة مع حزب الله، وبالرغم من ترابط بعض الملفات إلا أنه من الواضح أنّ أميركا لن تخلي الساحة اللبنانية، وبينما تحاول روسيا المصالحة والتفاهم مع الولايات المتحدة في الملف السوري لا تولي كثيراً من الأهمية للملف اللبناني، كذلك بالنسبة للصين التي تنتظر وتلعب لعبة الانتظار وهي لم تساهم في مؤتمري باريس حول الدعم والمساعدة للبنان.
إذن الولايات المتحدة الأميركية التي تبني سفاراتها في الشرق الأوسط ولبنان وتتحدّث عن دعم الجيش اللبناني، ربما تعتبر أنّ وجودها في لبنان استراتيجي، وهنا بيت القصيد وهذا يعني عملياً أنّ لبنان ضمن ارتباط إقليمي بمحور واضح وهناك الوجود الأميركي وهو ما يخلق ساحة اشتباك، حيث تقوم الولايات المتحدة الأميركية من خلال السفيرة الأميركية بلعب دور مباشر وتدخلي في السياسة اللبنانية، وهذا يظهر أيضاً من خلال سيطرة الولايات المتحدة على المؤسسات الدولية والنظام المالي العالمي ما يجعل هامش المناورة اللبناني محدوداً ويجعل الوضع صعباً في حال استمرار الخلاف اللبناني مع الولايات المتحدة الأميركية.
أما شكل الحكومة فلا يزال غير مؤكد، بين إطلاق صفة الأخصائيين أو حكومة سياسيين أخصائيين، او حكومة محاصصة، او هل ستكون نسخة عن حكومة الحريري قبل الاستقالة، او نسخة منقحة عن حكومة حسان دياب، حتى الآن لا يمكن الجزم حول ذلك لكن من الواضح أن لا استقالة من قبل رئيس الجمهورية، ولا اعتذار من قبل الرئيس سعد الحريري، البلد في مأزق، والمأزق يمكن أن يدوم، وهذا سيؤدي إلى تأزيم الأوضاع أكثر فأكثر، ويمكن أن يوصل البلاد نحو انفجار اجتماعي، نحو وضع لا يُطاق للطبقات الأكثر فقراً، وللطبقات الشعبية، فهل هناك من بدائل؟
من هنا فإنّ الوضع ليس بالسهل، وإيجاد البدائل ليس بالسهل، فلبنان أصبح بلداً مدمّراً ومنهوباً ومسلوباً، الدولة أصبحت رخوة إلى حد الفشل، بعكس ما كان عليه في أزمنة سابقة حيث كان لبنان بلداً مزدهراً في العالم، وكان يسمّى «سويسرا الشرق»، ونرى اليوم ما وصل إليه وهو في أتعس ظروفه منذ الاستقلال وحتى اليوم. من هنا فإنّ المسألة ليست فقط من خلال الحكومة إنما محاولة رئيس الجمهورية إيجاد صلاحيات جديدة من خلال المجلس الأعلى للدفاع، وكلّ هذا يخلق يخلق جواً من التشنّج ولا يساعد حتى على إيجاد البديل، ولا يساعد على إيجاد مناخ ثقة، والبلد ليس بخير، ولا أحد يدري كيف سيتمّ تشكيل الحكومة، لكن يجب أن يكون هناك مسار آخر وإلا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة…