هل نحن أمام أمل تغييريّ بعد انتخابات الجامعات الخاصّة؟
ناصر قنديل
– لا يمكن اعتبار نتائج الانتخابات الطالبية الأخيرة مجرد تلوين جديد للمشهد السياسي اللبناني مع فوز المستقلين عن الأحزاب، كما يصنّفون أنفسهم، وبينهم أندية علمانية، خصوصاً في الجامعتين الأميركية واليسوعية، ولكن هل يصح اعتبارها نقطة تحول سياسية مفصلية في الحياة اللبنانية لجهة التأسيس لتغيير سيجد في الانتخابات النيابية المقبلة فرصة إنتاج معادلات سياسية جديدة، كما تقول بعض القراءات، أو بعض التمنيات؟
– الأكيد أن الحديث عن تغيير طالبي لا يكتمل من دون الجامعة اللبنانية، التي تمثل الثقل الطالبي الأول الذي يعادل وحده أكثر من مجموع طلاب الجامعات الخاصة، والتي يمثل طلابها بحجم اتساعهم من جهة وتوزعهم الجغرافي والطائفي من جهة ثانية، وبتمثيلهم الاجتماعي للشرائح الطبقية المنتمية للطبقة الوسطى وما دون، مقابل انتماءات طاغية لطلاب الجامعات المعنيّة بالانتخابات ونتائجها، الى حيّز جغرافيّ وطائفي وطبقي غير قابل لبناء استنتاج يتّسم بالشمول.
– القضيّتان الأساسيتان اللتان يتم إهمالهما بقراءة الحدث، ومنحه دلالات أبعد من كونه علامة على أزمة الأحزاب مع شرائح نخبويّة هامة يمثلها الطلاب، ولو كان التعميم الطالبي غير علمي بغياب الجامعة اللبنانية، هما قضية الخطاب السياسي الذي يقف لجهة حجم نضجه وقضاياه تحت مستوى خطاب الأحزاب، من جهة، وقضية الغياب المطلبيّ الجامع لقضية قادرة على إطلاق حركة تفرض إيقاعها على الحياة السياسيّة، ففي الشق الأول الخاص بالخطاب، دائماً يؤشر الحراك الطالبي لتحوّل سياسيّ بمقدار ما يتجاوز الخطاب السياسيّ لهذا الحراك سقوف الأحزاب السائدة. ففي الستينيات كانت الأحزاب السائدة تتبنى خطاباً محافظاً تجاه القضية الوطنية المتمثلة بالصراع مع كيان الاحتلال، بينما تبنت الحركة الطالبية مشروعاً مبكراً للمقاومة ترجم بمخيمات طالبية في الجنوب وخطوط المواجهة المتقدمة فيه، فيما نرى الحركة الطالبية الجديدة تحت سقف النظام، وذات تعبير عاجز عن تشكيل أساس لسياسة وطنية، بغياب الإجابة الناضجة على سؤال، كيف ندير العلاقة مع تحديات يمثلها كيان الاحتلال بمعزل عن فوبيا سلاح حزب الله، وأبسط بديهيات السياسة لأي حراك نخبوي يبدأ من تخيّل الحلول مكان السلطة والإجابة المختلفة، لكن العملية والواقعية والمتقدمة، على الأسئلة الوجودية، والا صارت مجرد حالة غضب، او مشروع تحرّر ليبرالي اجتماعي يختزنه عنوان العلمنة. وهذا ما يظهر بغياب ثان يمثله افتقاد القدرة على إطلاق حراك مطلبي يستقطب الحركة الطالبية كلها، ومن خلالها الشارع الشعبي، الذي خبا وهمد بعد 17 تشرين، رغم تعمّق وتجذّر أسباب الغضب الشعبيّ.
– المقارنة مع ما جرى في الستينيات والسبعينيات، ليست إسقاطاً لظروف تغيّرت على ظروف جديدة، لأن اشتقاق القوانين في فهم الظواهر الجديدة، يتمّ بتجريد الظواهر القديمة من خصوصيتها، وفي هذا المجال السذج والبسطاء او المتحمّسون، وحدهم لا ينتبهون الى فوارق النضج بين نموذجَيْ الحركة الطالبية يومها بقياس ما نشهده اليوم، حيث كانت المنابر الطالبية الجديدة تعبيراً عن مشاريع فكرية عميقة مثلتها قوى جديدية أنتجت وثائق وأدبيات تطال أغلب قضايا السياسة اللبنانية، مثل حركة الوعي وجبهة الشباب اللبناني، وتجسَّد نهوضها في حجم تأثيرها في الآلاف من الطلاب في الجامعة اللبنانية، ولا يمكن إنكار حجم الحركة المطلبية التي وحّدت الجسم الطالبي خصوصاً في مراحل النضال لإنشاء وتطوير الجامعة اللبنانية.
– بالمقارنة الممكنة علمياً، لم تنجح حركة طالبية جامعة وقوية وناضجة في السبعينيات من إطلاق تغيير برلماني في انتخابات عام 72 يسهم بإطلاق تغيير سياسي في بنية النظام، لتتحوّل أغلب قيادات الحركة الطالبية بعد سنوات الى قيادات في الحرب الأهلية، وتشكيل قيادات سلطة ما بعد الحرب.