أولى

عشر سنوات
على أكذوبة الربيع العربيّ!

د. محمد سيد أحمد

تحلّ علينا خلال أيام الذكرى العاشرة لأحداث الربيع العربي المزعوم، وبالطبع أعلم أنّ عنوان المقال قد يكون صداماً لبعض المتشدّدين الذين لا يقبلون كلمة سلبية على هذه الأحداث ودائماً ما يصفونها بالثورة خاصة في تونس ومصر. ولكي نريح هؤلاء منذ البداية أعترف لهم أنني شخصياً كنت أحد المشاركين في أحداث 25 يناير في مصر وكنتُ أحد المعارضين لسياسات مبارك وحكوماته المتعاقبة. وفي يناير لم أكن أقبل بالإصلاح فقد كنتُ من المتشددين الذين يرغبون في إحداث التغيير الجذري في بنية المجتمع، وكنت أرى أن بنية المجتمع المصريّ قد أصابها الكثير من العطب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، وأنه قد حان وقت التغيير.

لكن بعيداً عن العواطف ومن خلال نظرة علمية وموضوعية كان لا بد من تقييم ما حدث بعد مرور عشر سنوات على اندلاع شرارة الربيع العربي المزعوم، ومن خلال مراجعة التراث البحثي الذي تم خلال العشر سنوات الماضية يتضح أن غالبية الباحثين والعلماء من تخصصات مختلفة ( سياسةاقتصاداجتماعإعلام) قد أصدروا حكماً مبدئياً على الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية ( تونسمصراليمنليبياسورية) في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 بأنها ثورات. ومن الغريب أن كثيراً من هذه الدراسات قد وضع مفهوم الثورة في عنوان الدراسة، وبذلك يكون قد صادر على المطلوب منذ البداية، ولم يكلف باحث نفسَه، رغم أنهم باحثون وعلماء كبار، أن يحاول التحقق من هذه الأحداث؛ وهل بالفعل ترقى لمستوى الثورة أم لا؟ فلم نجد دراسة واحدة حاولت الإجابة على هذا السؤال. هل ما شهدته بعض الدول العربية من أحداث وتفاعلات يرقى لمستوى الثورة؟

وهنا يجب التأكيد على أن الثورة كما ترى غالبية الأدبيات في العلوم الاجتماعية هي «إحداث تغيير جذري إيجابي في بنية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية». وهذا التعريف العلميّ للثورة يقودنا إلى استنتاج يقول إن الثورات لا يحكم عليها من خلال أسبابها ودوافعها ولا من خلال أحداثها وتفاعلاتها بل يحكم عليها بنتائجها. فإذا لم يشهد المجتمع تغييراً جذرياً إيجابياً في بنيته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فإن الأحداث والتفاعلات التي مهدت لها أسباب ودوافع لا يمكن أن نقوم بتوصيفها بمصطلح الثورة بل يجب البحث عن مفهوم آخر، خاصة أن هناك مفاهيم كثيرة قد تتداخل وتتشابه مع مفهوم الثورة من حيث الأسباب والدوافع والأحداث والتفاعلات، لكنها تختلف من حيث النتائج مثل مفهوم الانتفاضة الشعبية والحراك الجماهيري والحركة الاحتجاجية وغيرها.

ومن هنا يتضح أن غالبية الدراسات التي تمّت عبر العشر سنوات الماضية وسلّمت بأن ما حدث هو ربيع عربي وثورات عربية قد تسرّعت في الحكم من خلال الأسباب والدوافع والأحداث والتفاعلات من دون الانتظار للحكم وفقاً للنتائج، لذلك كان من الضروري الآن وبعد مرور عقد من الزمان على هذه الأحداث طرح السؤال التالي: هل ما حدث في بعض المجتمعات العربية يرقى بالفعل لأن نطلق عليه مصطلح ثورة أو أن نطلق عليه إعلامياً أنه ربيع؟ والإجابة على هذا السؤال تتطلب بحثاً دقيقاً فيما أفضت إليه الأحداث في كل مجتمع عربي على حدة، فما حدث في كل مجتمع يختلف عما شهده المجتمع الآخر، فلكل مجتمع خصوصيته البنائية والتاريخية ولا يجوز خلط الأوراق والتعميم.

وفي دراسة حديثة لنا قمنا برصد النتائج التي أفضى إليها هذا الربيع المزعوم، فجاءت النتائج في تونس تقول إن المردود الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي للحراك الجماهيري الذي شهدته تونس في نهاية العام 2010 جاء سلبياً على بنية المجتمع ولم ينعكس بشكل إيجابي على الغالبية العظمى من المواطنين.

وجاءت النتائج في مصر متشابهة إلى حد كبير فلم يحدث حراك 25 يناير تغييراً إيجابياً في بنية المجتمع، ولم تتحسن أوضاع الغالبية العظمى من المواطنين، بل تدهورت أحوالهم المعيشية عما كانت عليه في عهد مبارك.

وفي اليمن أدّت الأحداث لتدمير بنية المجتمع وساد الاحتراب الأهلي والمناطقي، وحدث العدوان الخارجي، وتشرّد الشعب وانتشرت الأمراض والأوبئة، وأصبح اليمن عرضة للتقسيم.

وتشير النتائج في ليبيا إلى أن ما حدث هو عدوان خارجي طمعاً في ثروات الشعب الليبي، أدى في النهاية إلى تدمير بنية المجتمع، ودخول ليبيا في أزمة تم تدويلها، ولا يوجد بصيص أمل في حلها قريباً، والواقع يكرّس فكرة التقسيم.

وتؤكد النتائج أن سورية قد تعرضت لمؤامرة خارجية، أدّت إلى نشوب حرب كونية مع دول جلبت عناصر إرهابية للحرب بالوكالة، وهو ما أدّى لتدمير بنية المجتمع السوريّ، ونزوح ولجوء وهجرة ملايين من أبناء الشعب.

والنتائج في مجملها تشير إلى أن التغيير الجذري الإيجابي في بنية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تحدثها الثورات لم يشهدها أي مجتمع عربي من المجتمعات الخمسة التي شهدت الأحداث، لذلك فالتوصيف العلمي الدقيق يقول إن ما حدث لا يرقى بأي حال من الأحوال لمستوى الثورة، فما حدث في مصر وتونس انتفاضات شعبية لم تحقق أهدافها، وما حدث في اليمن صراع على السلطة تحول لحرب أهلية وعدوان خارجي، وما حدث في ليبيا عدوان خارجي استعماري، وما حدث في سورية مؤامرة خارجية لتقويض دعائم مشروعها المقاوم.

وبذلك يمكننا القول إن ما يُطلق عليه الربيع العربي هو أكذوبة يتم الترويج لها عبر الآلة الإعلاميّة الاستعماريّة، فما حدث هو تنفيذ لمخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف تقسيم وتفتيت مجتمعاتنا وبالطبع استغل بعض الأسباب والدوافع الداخلية لتحريك الجماهير الشعبية، لذلك يجب أن يفيق الرأي العام العربي ويدرك أن المشروع لم ينته وستظل مخططات العدو الأميركي والصهيوني قائمة، بل يتم تطويرها الآن عبر اتفاقيات السلام والتطبيع المزعومة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى