بين الشهيد الكساسبة وشهداء الجيش اللبناني وأسراه!

محمد حمية

ألسنة النار التي التهمت الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة ألهبت قلوب الأردنيين الذين عاشوا أول من أمس مع حكومتهم وجيشهم لحظات عصيبة ومؤلمة، لكن في المقابل كان الأردن شعباً وحكومة وجيشاً في مشهد موحد في مواجهة الإرهاب، فور الإعلان عن حرق الكساسبة استنفرت المؤسسات الأردنية السياسية والعسكرية والقضائية.

الحكومة الاردنية أصدرت بياناً يعِد بردّ مزلزل وانتقام يهزّ المنطقة،

الإعلان عن تنفيذ أحكام الإعدام بعناصر «القاعدة» والإرهابيين المحكومين منذ سنين، والذين لم توقّع أحكام إعدامهم في حينها من دون الشعور للحظة أنّ في ذلك رداً على القتل بالقتل، بل تنفيذ مسؤول لأحكام قانون لأسباب تتعلق بالمصلحة العليا للدولة.

الملك الأردني قطع زيارته ليتمكن من تصديق أحكام الإعدام قبل الفجر، بعد أن شهدت بعض المدن الأردنية تظاهرات شعبية غاضبة مطالبة بإعدام ساجدة الريشاوي المعتقلة في الأردن والمتهمة بمحاولة تفجير انتحارية.

الشهيد المظلوم الكساسبة يذكّر اللبنانيين بأسراهم الـ25 الذين ما زالوا قيد الأسر لدى الإرهابيين، كما يشعرهم بالحزن على شهدائهم الخمسة الذين قتلوا ذبحاً وبالرصاص، فيما لبنان الرسمي كان غائباً عن المشهد، فمجلس الوزراء الذي انتقلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية لتصديق الأحكام المماثلة لإرهابيين مدانين ومحكومين بالإعدام، ممتنع عن مبدأ مناقشة الفرضية، والسبب ليس إنسانياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، بل السبب سياسي… وهو أنّ في الحكومة من يريد استثمار الإرهاب لاستخدامه في مواجهة شريك في الحكومة هو المقاومة، فالنائب وليد جنبلاط يعلن تصالحه وانفتاحه على الإرهاب، ويعتبر أنّ «النصرة» ليست إرهابية بل تضمّ مواطنين سوريين، ولاقت تصريحاته ترحيب «النصرة»، فيما يعتبر وزير العدل أشرف ريفي أنّ الذين خاضوا عشرات جولات القتال في طرابلس وغيرها وقتلوا وفجروا بأنهم شبان غاضبون، كما في كلّ تفجير أو اعتداء على الجيش نجد فريقاً داخلياً يبرّر للإرهاب أفعاله بكلمة: ندين ولكن… ويحمّل المسؤولية لحزب الله بسبب قتاله في سورية، وها هي الحكومة تستمرّ بالتفاوض مع «داعش» و«النصرة» على رغم استمرارهما بقتل العسكريين المخطوفين، ويقطع رئيسها تمام سلام وعداً بعد إعدام الشهيد محمد حمية بأننا سنوقف التفاوض إذا استمرّ القتل واستمرّت «النصرة» بالإعدام فيما لم يحرّك سلام ساكناً ويتراجع عن وعده، فلو نفذ حكم إعدام بأحد المحكومين بالإعدام لتوقف القتل، ما يحمّل الحكومة مسؤولية دماء كلّ من تبعوه من الشهداء.

الحكومة اللبنانية تركت أهالي العسكريين المخطوفين رهينة لابتزاز الإرهابيين، فكان الإرهابيون يتصلون بأهالي كلّ أسير ويهدّدون بقتله إذا لم ينفذوا طلباتهم ويقطعوا الطرقات التي يطلبون قطعها، ويطلبون منهم قول ما يريدون ضدّ الجيش والمقاومة، ويضغطون على الحكومة لتنفيذ المقايضة والتبادل بشروط الخاطفين، بينما عائلة الشهيد الكساسبة تطالب بالثأر بدلاً من أن تصير أداة ضغط لتلبية مطالب الإرهابيين، لكننا رأينا الأردن كله معها، ولم تُترك في الشارع وحيدة في خيم الاعتصام والقلق والخوف كما تُركت عائلات العسكريين المخطوفين ينتظرون نبأ إعدام أبنائهم ويحاولون شراء حياة لهم بتنفيذ تعليمات الخاطفين.

الجريمة المروّعة التي هزّت الدولة الأردنية لم تكن حدثاً داخلياً، كما لم تكن خبراً عادياً، بل خرقت الحدود، فاستنفر لها البيض الأبيض وأصدر البيانات من الإدانة إلى التهديد، وشغلت الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام العالمية، فيما لم تنل قضية العسكريين في لبنان أيّ اهتمام دولي لا أميركي ولا أوروبي، فما هو الفارق بين الجيش الأردني وبين الجيش اللبناني؟ هل لأنّ الجيش اللبناني لا يخضع للإرادة الاميركية ويحتفظ بعقيدته القتالية ضدّ «إسرائيل» ويقاتل الإرهاب وينسّق ويتعاون مع المقاومة؟

في الجمهورية الثانية سلسلة من الأحكام بالإعدام نفذت بمحكومين في لبنان وتنوّعت الأسباب بين القتل والاغتصاب، ويبقى السؤال: ألا تستدعي مصلحة الدولة العليا، وفي ظلّ حرب يخوضها لبنان مع الإرهاب الذي تحوّل الى خطر دولي، تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق إرهابيين؟ فهل يكون ما حصل في الأردن درساً للحكومة اللبنانية لتنقذ هيبة الجيش وكرامة الشعب وسيادة الدولة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى