موسكو تكذب السعودية قبيل زيارة بوتين إلى القاهرة: لا مساومة على الأسد إبراهيم لـ«البناء»: الإنجازات الأمنية تحتاج الحوارات للتحصين السياسي
كتب المحرر السياسي:
الأمم المتحدة كما الولايات المتحدة، ومعهما وقبلهما السعودية، عيون وقلوب وعقول منشغلة وتشتغل على الملف اليمني، وهي عندما تنشغل بشأن وتشتغل عليه تصاب سائر الشؤون والملفات بالجمود، فيصير العالم كله، أو تصير المنطقة كلها على الأقلّ «يمن».
تصدر اليمن المشهد، رغم حرارة المشهد الأردني بعد إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً على يد «داعش»، وتواصل حملة التضامن الدولية مع الأردن، وما شهدته عمان من مسيرات غضب، فيما شكل الموقف الأوروبي بإدانة تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق إرهابيين تصدّرهم اسم العراقية ساجدة الريشاوي التي حوكمت وأدينت بعمليات تخريب في الأردن، سبباً لسجال أردني ـ أوروبي فتح باب الحديث وسط النخب الأردنية عن المطالبة بسحب الاحتجاج الأوروبي كشرط لمواصلة التنسيق في الحرب على «داعش»، بينما كانت دولة الإمارات المتحدة قد حسمت أمر انسحابها من الحرب على «داعش» بعد تداعيات قضية الطيار الأردني الكساسبة.
تصدّر اليمن المشهد رغم السجال الذي تسبّبت به صحيفة «نيويورك تايمز» بين السعودية وروسيا، بما نشرته عن مفاوضات بين موسكو والرياض تضع ملف حرب أسعار النفط ومستقبل سورية ورئيسها، في كفتين متقابلتين، لتنتظر موسكو تنفيذ وعد سعودي بنفي الخبر لم يصدر خلال ساعات، فإذ بالرئاسة الروسية تدخل على الخط بقوة وبصورة لافتة، جعلت المراقبين يربطون بين هذا الردّ الناري المتعدّد الوسائل وبين الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة، وفي حين أكد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أنّ المعلومات الورادة في «نيويورك تايمز» «ليست إلا افتراءات صحافية»، كتب أليكسي بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي على حسابه في موقع «تويتر»: «لم تكن هناك أيّ مفاوضات حول تقليص السعوديين لإنتاج النفط مقابل تخلي موسكو عن دعم الأسد. هذا كذب».
قرأت الرئاسة الروسية وفقاً لمصدر روسي لـ«البناء» في المنشور في «نيويورك تايمز» تشويشاً على زيارة الرئيس بوتين إلى القاهرة، وهي زيارة ستشهد الكثير من التشاور حول الشأن السوري، حيث تتطلع موسكو إلى مشاركة مصرية حثيثة في عملية تكوين مركز للمعارضة قادر على الشراكة في حلّ سياسي يتأسّس على شرعية الرئيس بشار الأسد ويهدف للفوز بالحرب على الإرهاب، وكانت موسكو تأمل بقبول سعودي بالدور المصري يفك إحراجها الناجم عن الفشل في الحرب على سورية وعجزها عن التفاوض، وتخشى أن يكون الكلام المنشور في «نيويورك تايمز» موقفاً سعودياً لمنع مصر من لعب دور مستقلّ في الحلّ السياسي لسورية، خصوصاً أنّ السعودية هي المسؤول الرئيسي عن حرب أسعار النفط التي تستهدف موسكو، وما نشر يبدو أقرب إلى عرض أميركي، تؤكد روسيا انه غير قابل للبحث، ولا ترغب أن تكون السعودية شريكاً فيه.
ستتمّ زيارة الرئيس بوتين إلى القاهرة في موعدها الأسبوع المقبل، كما أكد المصدر لـ«البناء»، وعلى جدول الأعمال بنود ربما لا ترضي واشنطن، منها التعاون العسكري الواسع النطاق الذي بدأته موسكو بتجهيز الجيش المصري بأحدث ما في ترسانتها، خصوصاً شبكات الدفاع الجوي لصواريخ «أس أس 300» من الجيل المحدّث، وتعاون اقتصادي وسياسي، وخصوصاً تعاون أمني في الحرب على الإرهاب، حيث لا تتطابق الرؤى المصرية والأميركية، بصورة خاصة تجاه النظر إلى تنظيم «الإخوان المسلمين».
يبقى المشهد اليمني يتصدّر الأحداث خلال الفترة الفاصلة عن زيارة الرئيس بوتين إلى القاهرة، حيث كان يُفترض أن تنتهي المهلة التي حدّدها المؤتمر الوطني اليمني الذي يقوده الحراك الثوري، والتيار الحوثي، للوصول إلى حلّ سياسي يملأ فراغاً دستورياً مع استقالة رئيس الجمهورية والحكومة، وحالة الفوضى التي تهدّد اليمن، والمهلة معطاة للقوى السياسية، التي تمثل أغلب مكوّنات المجتمع اليمني، ومع قرب انتهاء المهلة كان اللقاء يعقد جلسة مطوّلة انتهت بالإرجاء حتى جلسة ثانية صباح اليوم، مدّد معها التيار الحوثي مهلته، على أمل التوصل إلى حلّ سياسي جامع يشترك فيه الجميع او أغلبهم الضروري لضمان العبور السلمي باليمن نحو البديل الدستوري الموقت، الذي يفترض أن يضع مسودّة دستور جديد، ويحدّد مواعيد وأصول لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وفقاً لمصدر يمني مشارك في المحادثات، علمت «البناء» أنّ مجموعة خيارات جرت مناقشتها، من بينها قبول استقالة الرئيس منصور هادي من قبل البرلمان اليمني وتولي رئيسه يحي الراعي مهام الرئاسة، وهو ما جرى استبعاده، ومن بين الخيارات المستبعدة تكليف الهيئة الوطنية للانتخابات بمهام الرئاسة الموقتة، حيث يتقدم بقوة خيار تشكيل مجلس رئاسي أو حكومة موقتة لم تتبلور معالم كلّ منهما بعد، ويفترض لليوم أن يحدّدها، وفي حال الفشل، تقول مصادر قريبة من قيادة التيار الحوثي، إنّ تشكيلة المجلس الثوري الذي ستكلفه اللجان الثورية والمؤتمر الوطني بالإدارة الموقتة للبلاد، قيد البحث، من دون إقفال الباب أمام حلّ يتشارك فيه الجميع واحتمال تمديد المهلة وارد إذا تبيّنت النوايا الصادقة والجدية اللازمة في البحث عن الحلّ التشاركي، الذي تبقى له الأولوية، شرط عدم تحوّل البحث عنه إلى مماطلة وإضاعة للوقت تدفع اليمن إلى المزيد من الفوضى.
لبنان الذي يتلقى كلّ الإشارات الواردة من الخارج، يستشعر طول المدة اللازمة لدخوله بوابات الحلول والانفراجات، ليتقدم في الملفين الأمني والسياسي، همّ تأمين شبكة أمان للوقت الضائع ما قبل أوان الحلول.
عن هذا الهمّ تحدث مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم لـ«البناء» فقال: «في ملف العسكريين المخطوفين وكذلك خصوصاً في ملف مواجهة خطر الإرهاب، الأجهزة الأمنية تقوم بما يفوق طاقتها، وتقوم بما تمليه عليها واجباتها وتكليفها القانوني، لكن مهما حققت من إنجازات، وهي تحقق الكثير فعلاً، لكن بدون مظلة حماية سياسية تتآكل الإنجازات وتضيع وربما لا تصل لنتائجها النهائية».
أضاف اللواء إبراهيم لـ«البناء»: «المعالجات الأمنية تحتاج إلى المزيد من التحصين السياسي، والحوار والتقارب بين القوى السياسية هو المظلة التي لا إنجازات بدونها، وهذا ما يجعل الحوارات التي انطلقت ذات مكانة لا تطاول فقط تحقيق الانفراج السياسي، بل تشكل المظلة التي لا إنجازات أمنية بدونها».
لبنانياً، وكما في الأردن اشتعل الوسط السياسي غضباً لإقدام تنظيم «داعش» على قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ليس فقط من المشاعر القومية والإنسانية التي تربط شعبي البلدين، بل لتشابه معاناتهما مع هذا التنظيم الإرهابي ومع زميلته «جبهة النصرة». لذا اتسعت المطالبة لبنانياً بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق الموقوفين الإرهابيين ليكونوا عبرة لغيرهم وليتوقف مسلسل قتل العسكريين المخطوفين من جهة ووقف الاعتداءات على الجيش والمدنيين العزّل من خلال العمليات الانتحارية التي ينفذها عناصره.
انتحاري شارد
وفي هذا الإطار، ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» مساء أمس، أن معلومات توافرت عن نية المدعو محمود عبد الكريم حميد، اسم الأم نفيسة حميد، مواليد عرسال 1994، القيام بعملية انتحارية تستهدف تجمعات مدنية أو عسكرية. وعممت صورته راجع صفحة 4 . وبناء عليه، على كل من يعرفه أو يعلم مكان تواجده التبليغ فوراً لأي مركز أمني.
في الأثناء، تواصلت محاولات تسلل الجماعات المسلحة من جرود السلسلة الشرقية نحو مركز الجيش، وفي هذا الإطار قصف الجيش مواقع وتحركات المسلحين في المنطقة، فيما سجل سقوط صاروخ بين بلدتي الفاكهة واللبوة في البقاع الشمالي، مصدره المسلحين في جرود عرسال، ولم يسجل وقوع إصابات.
وتطرق مجلس الوزراء في جلسته أمس، إلى موضوع الإرهاب مديناً جريمة تفجير الأوتوبيس الذي كان ينقل زواراً لبنانيين إلى أماكن دينية في دمشق، وكذلك جريمة قتل الطيار الأردني وعبر الوزراء «عن ذهولهم من الحد الذي يمكن أن تصل إليه ممارسات الإرهابيين المتطرفين».
وأكد المجلس أن لبنان يخوض معركة ضد الإرهاب التكفيري، وأن الحكومة تؤمن التغطية السياسية الكاملة للجيش وسائر قوى الأمن للقيام بواجبها لمواجهة هذا الإرهاب والانتصار عليه.
ووسط هذه الأجواء، تحرك أهالي العسكريين المخطوفين مجدداً في اتجاه المسؤولين وزاروا المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وسمعوا منه تطمينات تؤكد أن المفاوضات لتحرير العسكريين جدية ولم تتوقف كلياً، ما حملهم على وقف التصعيد الذي توعدوا به أول من أمس آملين بأنباء سارة قريباً.
ومن المقرر أن تبدأ اليوم في بيروت وطرابلس حملة نزع الشعارات والأعلام الحزبية الدينية والعلمانية في إطار إجراءات تخفيف الاحتقان في الشارع، وتنفيذاً لقرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في هذا الشأن.
أحداث 28 كانون في اجتماع الناقورة
من جهة أخرى، عقد في موقع للأمم المتحدة على معبر رأس الناقورة اللقاء الشهري بين ضباط من الجيش اللبناني و«الإسرائيلي» برئاسة القائد العام لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان «يونيفيل» اللواء لوتشيانو بورتولانو. وهذا الاجتماع هو الأول بعد العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة والذي أدى إلى استشهاد ستة من عناصر حزب الله وعميد إيراني، ورد المقاومة على هذا العدوان بعملية شبعا النوعية والتي لا تزال «إسرائيل» تحت وطأة نتائجها العسكرية والاستراتيجية.
وأوضح بيان لـ «يونيفيل»، أنه «في ضوء أحداث 28 كانون الثاني، تركزت معظم المناقشات حول ضمان عودة الهدوء والاستقرار إلى منطقة عمليات يونيفيل. وبالإضافة إلى الأحداث الأخيرة، ناقش المشاركون تنفيذ البنود ذات الصلة من قرار مجلس الأمن الدولي 1701 في ظل ولاية يونيفيل، بما في ذلك الانتهاكات الجوية والبرية، وعملية وضع العلامات المرئية الجارية على الخط الأزرق، إضافة إلى مسألة انسحاب القوات الإسرائيلية من شمال الغجر».
وبعد الاجتماع، قال بورتولانو: «نقلت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي عبر فيها عن قلقه من التدهور الخطير للوضع الأمني، ودعا إلى الامتناع عن أي عمل من شأنه أن يقوض استقرار المنطقة والتصرف بمسؤولية لمنع أي تصعيد في البيئة الإقليمية المتوترة أصلاً. كما دعا الأمين العام إلى احترام السيادة والسلامة الإقليمية لجميع الدول في المنطقة، والالتزام بجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة».
وأضاف: «أكد لي كلا الجانبين مجدداً التزامهما استخدام قنوات الارتباط والتنسيق، بما في ذلك الآلية الثلاثية للحفاظ على الاستقرار ومنع أي تصعيد للوضع في منطقة عمليات يونيفيل». وأكد أن «الوضع في منطقة عمليات اليونيفيل الآن مستقر وتحت السيطرة».
وفي السياق دعا مجلس الأمن الدولي إلى «الإسراع في إكمال التحقيقات لمعرفة ملابسات مقتل الجندي الاسباني في يونيفيل الذي قضى إثر عملية مزارع شبعا».
ودان بأشد العبارات «حادث مقتل الجندي». وتقدم بتعازيه الحارة إلى ذويه والحكومة الاسبانية.
جيرو يلتقي عون وحزب الله
سياسياً، تابع مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو لليوم الثاني على التوالي، جولته على القادة والمسؤولين السياسيين للبحث في الاستحقاق الرئاسي. وشملت لقاءات جيرو أمس جهات مؤثرة في الاستحقاق من قوى 8 آذار، فضلاً عن لقائه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، وبعده مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي. وظهراً زار المسؤول الفرنسي رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي أقام مأدبة غداء على شرفه.
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه أنه أبلغ النواب خلال لقاء الأربعاء، أن جيرو يعرض نتائج زيارته إلى الفاتيكان والمملكة العربية السعودية وإيران، ونقل للمسؤولين أن هذه الدول أكدت أن انجاز الاستحقاق الرئاسي يوجب اتفاقا مسيحياً.
زاسبيكين: الرئيس مرتبط بأجواء المنطقة
من جهته، أكد السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين لـ«البناء» أن موضوع رئاسة الجمهورية اللينانية سيكون نتيجة لتطور إقليمي معين له انعكاسات على المطبخ السياسي اللبناني.
وحدد السفير الروسي موقف موسكو الرسمي من انتخاب الرئيس وقال: « نقبل الخيار اللبناني الذي نعتقد أنه سيأخذ في الاعتبار كل المعطيات الداخلية والخارجية المتعلقة، والتحديات، والمشاكل في المنطقة، والنزاع في سورية، ومكافحة الإرهاب، وكيف يمكن أن يتصرف الرئيس في ظل هذه الأجواء، ليكون الشخص المناسب في التوقيت والمكان المناسب، فالرئيس يجب أن يكون الأقدر على معالجة هذه المواضيع سياسياً».
أما عن عملية شبعا فأشار زاسيبكين الى «أنها كانت جواباً ورداً على «إسرائيل» التي اعتدت على حزب الله في الجولان. وقال السفير الروسي عن خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عقب عملية شبعا «أنه كان متوازناً، وكان جواباً ورداً مناسبين على ما قامت به «إسرائيل» من هجوم، وهذا ما ظهر في الاتصالات من قبل «الاسرائيليين» عبر الـ»يونيفيل» وتأكيدهم الالتزام بالتهدئة وتجميد الوضع، مع تأكيده الموقف الرسمي الروسي بعدم التصعيد الذي يتطلب إجراءات معينة من الأطراف المعنية.
بري: لن يتأثر الحوار بالمواقف المسعورة
وعلى خط آخر، نقل النواب عن بري تأكيده أن «الحوار مستمر ولن يتأثر بأي تشويش أو مواقف مسعورة للعرقلة»، مجدداً القول إن «هناك إجماعاً داخلياً وخارجياً على سلوك هذا النهج ودعمه».
إلى ذلك، أكد عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر أن «الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله حقق الغاية الأساسية منه، وهي خلق نوع من الاسترخاء السياسي في الشارع، والناس قابلته براحة نفسية».
وأشار إلى أن «الخطة الأمنية التي انطلقت من طرابلس والتي من المفترض أن تعم كل لبنان من دون استثناء أتوقع أن تكون من الثمار القريبة والانجاز أهم من الكلام، وبقدر ما يشهد الناس إنجازات عملية بقدر ما يحقق الحوار غايته».
الردم متوقف في الحوض الرابع
على صعيد الحوض الرابع في مرفأ بيروت توقفت أعمال الردم فيه لليوم الثاني على التوالي، واعتبر عضو اللجنة المكلفة من بكركي متابعة هذا الملف الوزير السابق فادي عبّود «أنّ توقيف الردم يفتح المجال للأخذ والردّ والبحث في كلّ أمور المرفأ، واستمرار الردم سيكون سبباً لعودة الإضراب مرة جديدة».
وأشار عبّود إلى «أنّ إرجاء الإضراب في المرفأ أتى بناء على وعد رئيس الحكومة في شكل واضح، مراجعة الموضوع بنظرة مختلفة تأخذ في الاعتبار الرأي الآخر».