مَن يستهدف مصر؟
جمال العفلق
لم تعفِ اتفاقية «كامب دايفيد» والتي وقعها أنور السادات في نهاية سبعينات القرن الماضي، مصر والمصريين، من البقاء على قائمة أعداء «إسرائيل». ولم يعفِهم قبول الشروط الأميركية طوال عقود من إغراق مصر بالديون وتحجيم دورها وإبعادها عن شؤون المنطقة، إقليمياً وعربياً… لم يعفِ كلّ ذلك من حكم مصر من التسلط الغربي والعربي عليه، لعزله وإدخال مصر في أتون صراع سياسي يتحول اليوم وفي شكل ممنهج إلى صراع عسكري، الهدف منه إضعاف المؤسسة العسكرية المصرية وإشغالها بحرب داخلية قد لا تكون قصيرة كما يتمناها البعض.
إنّ الدور الصهيوني الواضح في الحرب على مصر لا يحتاج إلى إثباتات وبراهين، ويعلم من يتابع الشأن المصري أنّ «إسرائيل» لا تعترف ضمنياً باتفاقية السلام وطالما قامت استخباراتها بأعمال إرهابية تستهدف الشعب المصري مثل نقل وترويج كافة أنواع المخدرات والمبيدات الزراعية السامة وشقق نقل مرض الإيدز إلى الشباب المصري، بالإضافة إلى التضييق على الاقتصاد المصري في المناطق السياحية. وكان آخر أعمال «إسرائيل» دعم مشروع سدّ النهضة في إثيوبيا للتحكم بمنابع النيل، كما فعلت بتمويل مشاريع السدود على نهري الفرات ودجلة للتحكم بهما والضغط على سورية والعراق من خلال الحكومة التركية التي تخدم «إسرائيل» في المنطقة. ولا يمكن تجاهل مشروع وصل البحر الميت بالمتوسط والذي يهدف إلى خنق مصر وتهميش قناة السويس على المدى البعيد.
هذا التوسع الجغرافي تحتاجه «إسرائيل» وعينها على شبة جزيرة سيناء المصرية، مقرّ عمليات ما يسمى «كتائب الأقصى» والتي لو كانت تعمل كما هو اسمها، فالأقصى أقرب إليها من القاهرة، وإذا ما أرادت تحرير الأقصى فعليها عبور الحدود مع فلسطين وليس التمدّد نحو المدن المصرية، كما تفعل الآن.
يبدو أنّ اختيار هذا الاسم لهذه المجموعة الإرهابية يهدف إلى دفع المصريين في اتجاه الانفصال الكامل عن فلسطين، وسط ما يجري من أعمال وحشية تمارسها قطعان الاستيطان الصهيوني.
إنّ «إسرائيل» ليست قادرة، وحدها، على محاربة دول الجوار إلا من خلال العملاء الذين تجندهم وتدعمهم وتجد لهم الممول، وخصوصاً من الدول العربية وكذلك بالتعاون مع تركيا التي لم تتوقف عن استعراض قوتها وإعلان حلمها العثماني الجديد بتقسيم المنطقة بما يخدم «إسرائيل» ويلبي طموح أردوغان وحزبه.
وما المصالحة الأخيرة التي أعلن عنها بين مصر وقطر إلا عملية لعب على الوقت لترتيب الأوراق من جديد لأنّ قطر ما زالت تحت العباءة التركية وتجد لدى أنقرة مخرجاً لها بعد طرد الإخوان المسلمين من الحكم في مصر وشعورها بالهزيمة بعد المبالغ الكبيرة التي دفعتها من أجل الهيمنة الاقتصادية على مصر وشعبها لتأمين مصالح «إسرائيل» وأميركا.
لا يمكن حماية ظهر الجيش المصري اليوم إلا من خلال القضاء على خلايا الإخوان المسلمين الذين لا يفكرون إلا في القتل وتدمير اقتصاد مصر وشلّ أي فكرة لمشروع يعوّض على المصريين أربع سنوات من التدهور الاقتصادي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس نتيجة لسياسات التجويع والمساومة على مرافق وموارد مصر الأساسية والتي كانت معروضة بأبخس الأثمان على المستثمر القطري و»الإسرائيلي» من خلفه.
بعد هذا كله، هل تقرّر الحكومة المصرية إعلان التحالف مع سورية والعراق ولبنان من أجل محاربة الإرهاب الذي لا يختلف في دوره وأساليبه بين هذه الدول؟ وهل لدى القيادة المصرية استراتيجية جديدة لإعلان حربها على الإرهاب المتنقل بين دول المنطقة من خلال رفع الغطاء السياسي والعربي عن ما يسمى معارضة سورية تجد في مصر ملاذاً لها لإدارة الحرب نفسها التي تُشنُّ على مصر؟
إنّ من يحارب مصر اليوم ويستهدفها هم الذين يخدمون المشروع الصهيوني ويخضعون لإدارة غرفة عمليات موحّدة موجودة في تركيا، بتمويل عربي كامل وغطاء سياسي غربي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وهم الذين يحاربون حلف المقاومة ويريدون تفريغ المنطقة من أي قوة مخالفة للصهيونية وتوسعها. هم أنفسهم الذين يريدون أن تبقى فلسطين تحت الاحتلال وتوطين شعبها في دول الجوار وخلق وطن بديل لهم وإلغاء حقّ العودة. وهم الذين ما زالوا يرفعون شعار مبادرة السلام العربية الذي أطلق منذ أكثر من عقد من الزمن، وإنّ الأمين العام للجامعة العربية، بسياسته التابعة لقطر، هو أحد المروجين للإرهاب… فهل تدرك القيادة المصرية اليوم أنها في دائرة الخطر وأنّ مستقبل مصر أصبح على المحكّ، إذا لم تسارع إلى تعاون أمني وعلى أعلى المستويات بين كلّ من مصر وسورية والعراق ولبنان؟