ثقافة وفنون

جحا والكباب..

 

عندما اشتهت نفس جحا أكل الكباب، اشترى نصف كيلو من اللحم فعلاً، وسأل أحد الطباخين عن طريقة إعداد الكباب، فكتب له على ورقة يشرح فيها الطريقة بالتفصيل، أمسك الورقة في يد، وفي اليد الأخرى اللحم، واستأنف سيره للمنزل، وهو يحلم بالأكل والكباب، وفجأة انقضّ عله طير خطف منه اللحم وطار به، نظر إليه بغيظ شديد ثم ابتسم، وراح يلوّح للطير بالورقة ويقول: لقد أخذت اللحم يا غبي ولكن ورقة صنع الكباب معي، فماذا ستفعل باللحم من دون الورقة؟؟!!

سوق الطرفة السابقة للدخول في أهم الأمور التي نواجهها في حياتنا وهي رأي الآخر أو ما يقول الآخر. فالأكثرية تعتقد أنّ كل ما تقوله هو الكلام الصحيح والسليم والمعافى من كل جرثومة أو طفيلية!!

متناسين المبدأ الذي أطلقه الإمام الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» بات اليوم الاختلاف في الرأي حول أصغر الأمور مدعاة إلى التكفير وبدل أن نرث سماحة الأوائل واحترامهم الرأي الآخر باتت الأكثرية تدافع عن رأيها وكلامها وكأنها في حال اعترفت بعدم صوابية قولها أو مشاركة الآخر في الرأي جرم يعاقب عليه الإنس والجن.

أطلق بوش الصغير مبدأ (من ليس معنا فهو ضدنا)، ولكنا سبقناه إلى تطبيق هذا المبدأ على المقربين منا قبل الغرباء، وكل منا يرى نفسه على حق ويجب بل وتقتضي الضرورة أن ينصاع الجميع لرأيه!!

ولو استعرضنا التاريخ الحديث، فلن نجد قضية واحدة أجمعت عليها الآراء، واحترم كل فيها رأي الآخر..

بهذه التصرفات نشعر ولكأننا نتبارى في تسفيه آراء الآخرين والتحاور يكون بلغة أقرب إلى الشتائم وقد يحدث وأن ينتقل الحوار ليصبح بالسكاكين والرصاص والقنابل!!

من يمتلك أدوات الحوار الناجح هو مَن يحق له أن يسير البقية أو يحاول البقية الاستفادة من أدواته

لم يكن يوماً الاختلاف في الرأي إثماً أو مصيبة، بل الأهم من ذلك أن يصل المتحاوران إلى نقطة وصل ولا يبقيان يدوران في حلقة فارغة!!

ثمة مقولة جميلة للفيلسوف الفرنسي الذي سبق زمانه (فولتير) والتي نسمعها كثيراً، ولكن لا ندري كم عدد الأشخاص الذين طبقوها فعلاً وليس قولاً فحسب «قد أختلف في الرأي معك، ولكنني على استعداد لأن أبذل حياتي ثمناً لحقك في إبداء رأيك».

ومازال جحا حتى اليوم يعتقد نفسه هو المنتصر لأنّ الورقة معه

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى