الفوضى سياسيّة واقتصاديّة وقضائيّة
– لا يُخفى على كل مسؤول وحريص على مستقبل البلد أن انتظار المعجزات والعجائب لن يفعل سوى جعل لبنان أقرب للسقوط، وأن أي انتظار لمبادرات خارجيّة يعني التعويل على حسابات يعرف الجميع أنها ليست مجانيّة ولا مكرمات، بل هي تعابير عن مصالح سيكون للبنان فرصة الإفادة منها بأثمان أقلّ إذا كان جاهزاً داخلياً للتفاعل معها من موقع القدرة على الفعل.
– على مستوى الداخل اللبنانيّ يبدو لبنان على الصعيد السياسي كسفينة تتقاذفها الأمواج، بلا وجود لمشروع ورؤية يتحكمان بإدارة الدفة بين هذه الأمواج، فلا حكومة ولا أفق بولادة حكومة سريعاً، والحكومة هي رأس السلطة السياسية وفقاً لنص الدستور، وبغيابها لا يمكن الحديث عن رسم سياسات لبنانية. والغياب معلوم الأسباب وهو تعدد السياسات وتصادمها، وتباين المصالح وتعاظمها، ولعل لبنان هنا أشبه بعربة لها أكثر من مقود وأكثر من سائق، وكل يحاول إدارة العجلات باتجاه مختلف.
– على الصعيد الاقتصادي الحال ليس أحسن، بل ربما يكون أسوأ مما هو على الصعيد السياسيّ، فكل شيء يقول إن لبنان يتّجه بسرعة نحو الأسوأ، وإن نفاد المدخرات العامة والخاصة سيضع لبنان في مواجهة المجهول، وهو لم يعد بعيداً، والمفاضلة بين رفع الدعم وترشيده واستعمال الاحتياط الإلزامي هي مفاضلة بين سقوط اليوم أو سقوط الغد، والحال أشبه بعربة فقدت الكوابح وهي تسير في منحدر شديد، ومعلوم سلفاً أن ساعة الارتطام مقبلة.
– على الصعيد القضائيّ رغم محاولات تظهير حضور القضاء في ملفات مهمة وحساسة، كتفجير المرفأ وملاحقة الفساد، ففي الخلاصة لا يبدو المشهد مطمئناً، فالانقسام العام على مستوى القيادات والناس طائفياً وسياسياً، لم يعد بعيداً عن إصابة النظرة الى الأداء القضائيّ، حيث لا إجماع لبنانياً على نظرة موحّدة في تقييم التعامل القضائي مع الملفات الموضوعة على الطاولة، ولا إجماع حول وجود منهجية قانونيّة بعيدة عن السياسة تحرّك القضاء، وتساؤلات حول مدى وجود وحدة موقف قضائيّ تعبر عن وجود هذه المنهجيّة، في ظل الكثير من الإشارات التي حملت تضارباً في اتجاه التعامل القضائي مع عدد من العناوين.
– الفوضى هي التي تختصر حال لبنان، بما يمنح المصداقيّة للوصف الذي أطلقه وزير الخارجية الفرنسية لتشبيه لبنان بسفينة تيتانيك الذاهبة للغرق الحتميّ، ويبقى الأمن وحده بعيداً عن الفوضى، لكنه مع هذه الفوضى السائدة في كل ما حوله ليس بمنأى عن خطرها.
التعليق السياسي