الأردن والإسلاميون: كلمات متقاطعة
بعد يومين على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة وهو حي في مشهد هزّ الشارع الأردني والعالم على حدّ سواء، أفرجت السلطات الأردنية عن الشيخ أبو محمد المقدسي المرشد الروحي الكبير لـ«القاعدة» الذي اعتقل في تشرين الأول الماضي.
بدون شك أدّى إعدام الكساسبة بهذا الشكل الى الالتفاف الشعبي حول الجيش، والتأكيد على ضرورة مكافحة الإرهاب، حتى أنّ المتشدّدين والسلفيين وجماعة «الإخوان المسلمين» تحديداً لم يستطيعوا سوى ان يعبّروا عن استكارهم وسخطهم مما جرى، ولو انّ بعض التصريحات شابتها مواقف مريبة أو خجولة.
الدولة الأردنية تحرّكت، وتصدّر تحرّكها تنفيذ قرارات ملكية بإعدام إرهابيّيْن اثنيْن محتجزيْن لدى الدولة الأردنية بتهم إرهابية متعدّدة، إلا أنّ القرار المفاجئ في المقابل جاء بأمر من السلطة نفسها ليطرح أسئلة عديدو عن أبعاده المريبة، هذا القرار تمثل بإطلاق «المقدسي» وما يعنيه الرجل من رمزية روحية لتنظيم «القاعدة».
فماذا يعني هذا الإطلاق؟
حسب خبراء أمنيين فإنّ إطلاق سراح داعية روحي كبير لتنظيم «القاعدة» في مثل هذا الوقت هو لعبة أمنية بامتياز تصبّ في صالح «جبهة النصرة»، وهي الفرع الأصلي لتنظيم «القاعدة» في بلاد الشام او في المنطقة الجغرافية المقصودة، ويخشى مراقبون ان تكون رسالة واضحة من الدولة الأردنية على انها على تواصل وتنسيق مع «النصرة»، وبالتالي فإنّ العملية توضع في إطار محكم التنفيذ.
إذا كانت «داعش» أحرقت الطيار الأردني، وهي العدو الإرهابي الوحشي بالنسبة إلى الأردن، فكيف يمكن دعم أخواتها في فلسفة القتل نفسها بضخّ حشد جديد قد يفرزه خروج مرشد روحي كالمقدسي، وعليه يبدو أنّ المملكة الأردنية التي تعرف جيداً أنّ القتال بين «داعش» و«النصرة» على أشدّه قد قرّرت مواجهة «داعش» في الأردن بيد «النصرة»، ما يرسم علامات استفهام كبيرة حول كون «جبهة النصرة» الذراع اليمنى لـ«إسرائيل» في المنطقة! وكيف يمكن ان ينشأ هذا التنسيق بين الاستخبارات الاردنية و«جبهة النصرة» وتقاطعها مع المصلحة «الاسرائيلية»؟ واذا كان الأردن قد قرّر مواجهة الإرهاب بالإرهاب فكيف يمكن أن يرتسم المشهد المقلق للبلاد.
هل يمكن النظر إلى هذا الاشتباك خارج إطار معادلتين تحكمان الأردن منذ زمن، وستبقيان أساساً في رسم التطوارت فيه، وهما معادلتان متقاطعتان عند نقطة مستقبل التيار الإسلامي في الأردن، حيث يقع خط الانقسام الديموغرافي بين الأردنيّين الأصليّين والأردنيّين من أصل فلسطيني على تطابق الانقسام السياسي بين الإسلاميين وغير الإسلاميين حيث النفوذ الأبرز بين المنتسبين للأصل الفلسطيني هو للتيار الإسلامي الذي يتواصل ويتقاطع مع حركة حماس بقوة انطلاقاً من التشارك في الجذور «الإخوانية».
والمعادلة الثانية هي: معادلة الرهان «الإسرائيلي» الدائم أمام إفلاس الحلول السياسية للقضية الفلسطينية من جهة، والعجز عن خوض الحروب من جهة ثانية في التفكير الجدي بمشروع «الأردن وطن بديل للفلسطينيين».
فهل يندفع الأردن في لحظة انفعال الحماس وانفجار الغضب الى مواجهة سيديرها سواه، و«الإسرائيلي» حاضر في هذا السياق لتوليد مشهد نرى فيه التيار الإسلامي من الأصول الفلسطينية يقفز الى الحكم، بعدما مرّ «الإخوان» في الاختبار المصري أثناء حكمهم لسنة في استحقاقات أكدت لـ«إسرائيل» قدرتها على الثقة بالتعامل معهم؟
«توب نيوز»