فخامة المطمئن في «الرولس رويس»
أحمد طيّ
لم يكن يوم الثلاثاء الماضي عادياً بالنسبة إليّ. على رغم أنّ كلّ شيءٍ كان «روتينياً» منذ الصباح: قطعة الشوكولا المرّ بعد الاستيقاظ مباشرةً، فالرشفة الأولى من فنجان القهوة، لتثب يداي إلى الكتاب الذي أقرأه كلّما سنحت لي الفرص في هذه الفترة، إلى الاستحمام فالذهاب إلى العمل. هناك، في العمل، تبدأ رحلة كسر الروتين عبر قصصٍ جديدة وعوالم جديدة.
ما إن وصلت إلى مقرّ عملي، حتّى تلقفني زميل لي طالباً منّي الذهاب معه إلى طرابلس. وافقت… وبدأت الرحلة.
حتّى هذه اللحظة، كان كلّ شيءٍ عادياً. زحمة السير الصباحية، والأحاديث بيني وبين زميلي التي تختلف في التفاصيل لكنها لا تختلف في العناوين العريضة. وصلنا إلى مدخل وسط بيروت من ناحية فندق «فينيسيا»، ولمّا كنّا مضطرّين للدخول إلى ذلك الوسط، فوجئنا بزحمة سير أخرى، وبعد دقائق شعرنا أنّها ساعات، علمنا أنّ تلك الزحمة طرأت بسبب تفتيش عند إحدى النقاط المؤدّية إلى بيتٍ اغتصبه قاطنوه الحاليون من إحدى الأسَر البيروتية. علماً أنّ قاطني هذا البيت «المحتلّ» موجودون حالياً في باريس، عفواً موناكو، يييييييه أقصد في جبال الألب، لا، في المملكة العربية السعودية. لا نعرف حقّاً أين يقطنون مع عددٍ من النوّاب المنتخبين على «نعمتهم».
تابعنا السير بعد تلك الزحمة المفتعلة من أجل حماية أشخاص غير موجودين في المكان أصلاً، واتّجهنا نحو عاصمة الشمال.
بعدما اجتزنا جسر شارل الحلو، وتحديداً عند مدخل مؤسّسة كهرباء لبنان من ناحية البحر، لفتت نظرنا ـ أنا وصديقي ـ سيارة مكشوفة السقف، لمّاعة تحت خيوط الشمس، لونها نبيذيّ ميّال إلى القرميديّ، وفيها ثلاثة أشخاص إضافةً إلى السائق.
زميلي الذي سارع إلى الإعلان عن نوعها قائلاً إنّها «رولس رويس»، استرسل في الحديث عن الأغنياء الذين يملكون سيارات مثلها، وعن أحوالهم وأحوالنا، نحن الموظفين. أما أنا، فأخذتني الدهشة من هذه السيارة الجميلة، إلى الأفلام اللبنانية القديمة، والسيارات المكشوفة التي تسير على الطريق البحرية، وإلى أغاني محمد جمال وحكمت وهبي ورونزا وغيرهم.
كل ذلك، ونحن ما نزال خلف السيارة. إلى أن تجاوزناها. وبطبيعة الحال البشرية، وبدافع الفضول لرؤية صاحب تلك السيارة، استمرّيت في النظر إلى ذلك السائق المحظوظ طوال مسافة التجاوز… وكانت المفاجأة!
لم يكن السائق المحظوظ سوى رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود، أو «فخامة المقاوم» كما يطيب لي أن أسمّيه كما كثيرين في لبنان. كان يقود سيارته باتّزان، ولا أخفي أنني ـ وفي تلك الثواني القليلة ـ لمحت إميل لحود المواطن العاديّ الذي يربّت على مقود سيارته طرباً، ربما بسبب أغنية جميلة.
بعد فترةٍ وجيزةٍ، تذكّرت مشهد «الوسط» وزحمة السير بسبب التفتيش والتدقيق، ووثبات الكلاب البوليسية تنهش السيارات شمّاً، ثمّ عادت إلى ذهني صورة لحود المطمئن الطرِب في «الرولس رويس».
طوبى للأقوياء الذين لم يفعلوا إلّا الحق والخير والجمال في بلادهم فيتجوّلون مطمئنّين جذلين لا يهابون كارهاً ولا ناقماً. وبئساً لمن ترك وطنه في مِحنَه بحجّة أنّه مهدّد، وما شعوره هذا إلّا لأنه يدرك شرّ أفعاله.