هل أدرك النظام الأميركي بداية نهاياته؟
} د. وفيق ابراهيم
ليس عادياً ما شهده الأميركيّون في الأربعين يوماً الفائتة… لأنها لم تكن مجرد اعتراضات شعبية على نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة بقدر ما عكست إصرار الكاوبوي الأميركي الابيض صاحب الرأسمال العالمي، على منع سيطرة الطبقات الوسطى بألوانها وأعراقها المتعددة على النظام السياسي الأميركي.
ما هو النظام الأميركي؟
هو محصلة حروب مفتوحة شنّها الرجل الأبيض من ذوي الأصول الأوروبية على الهنود الحمر اصحاب البلاد فأبادهم مستبيحاً اللاتينيين وكل الأعراق الأخرى الصينية والإسلامية والعربية والبيضاء غير الأوروبية.
لقد جسّد الإيرلنديون والإنجليز المكوّن الأبيض الأساسي الذي أمسك بالبلاد الى جانب آخرين من اوروبا الغربية والشرقية العنصر الاساسي الذي أمسك بالنظام الأميركي على مستويات الاقتصاد والسياسة والثقافة، مشكلاً نظاماً اقتصادياً استحوذ في البداية على أميركا مسيطراً لاحقاً على كندا وأميركا الجنوبية واللاتينية منتظراً بداية الحروب الأوروبية الأولى والثانية حتى استكمل ضم القارة العجوز اليه.
لكنه لم يكتف بهذا القدر، فعمد الى ضم الكرة الأرضية بما تحتويه من بلدان وأعراق وذلك في 1989.
فأصبح النظام الأميركي متشكلاً من القوة البيضاء ذات الاصل الأوروبي والتي هيمنت على الاقتصادات الداخلية الأميركية والعالم بأسره.
تُضاف اليها طبقة وسطى عريضة تبين انها من ضرورات إضفاء لمسات ديموغرافية على النظام الأكثر فتكاً وهيمنة في الداخل والخارج.
هذه الطبقة كادت قبل الاحداث الأميركية الأخرى تشمل خمسين في المئة من الأميركيين، وبدت لازمة من لوازم ذكاء النظام السياسي الأميركي الذي اراد بهذه الحركات إجهاض التطورات الاجتماعية الطبقية والعرقية، بإبداء شيء من التسامح امام المتفوقين من ابنائها، وما وصول أوباما الى الرئاسة الأميركية الا التعبير عن هذا المنحى الأميركي. كذلك فإن نجاح كامالا ذات الأصول الهندية والأفريقية في نيابة رئاسة الجمهورية إلا ضمن هذه المحاولات.
للفت الانتباه فإن الرأسمال الأميركي الأقوى في النظام هو الذي اهتم ببناء طبقة وسطى بواسطة دعم نظام رواتب قويّ ومتصاعد في القطاعين الخاص والرسمي مع قطاعات مصرفية مفتوحة لهذه الفئات فتشكلت هذه الطبقة الوسطى.
لكن سرعان ما شكلت قلقاً للكاوبوي الأميركي نتيجة لسلسلة عناصر تتمحور حول تراجع التفاعلات الاقتصادية الأميركية. وخصوصاً بسبب جائحة الكورونا وما أدّت اليه من تقلص في الحركتين الاقتصاديتين الداخلية والخارجية.
وتراجع الاقتصادات العالمية خصوصاً في الجزء المتعلق بارتباطاته بالاقتصاد الأميركي.
يمكن هنا إضافة الصين كعامل يدفع نحو تراجع الاقتصاد الأميركي، نتيجة لتقدم اقتصادها المعولم في كامل أسواق الدول الكبرى.
بالإضافة الى الهرولة الهندية والتقدم الياباني والاستعداد الاوروبي لمعاودة الانطلاقة وصمود إيران في وجه أعنف حصار أميركي عليها كان يريد تأمين مصادر دخل جديدة للطبقة الوسطى الأميركية بالطبع.
إن ترامب هو الممثل الفعلي للتنين الاقتصادي الأميركي الذي اعتبر ان ارباح الاقتصاد اقوى من أرواح الناس المهددة بكورونا، لذلك فإن عودته الى الرئاسة ارتدت شكل إصرار من الطبقة الاقتصادية الأعلى والمهيمنة للعودة الى الإمساك بالبلاد ومواصلة إدارة العالم.
هذا ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية في الشهر الفائت من صراع قوي بين فريق الاقتصاد الأميركي الأقوى الذي لا يريد تقديم اي تنازل مهما كان بسيطاً من امتيازاته وبين فريق أميركي آخر من البيض أيضاً لا يزال مصراً على النظام الأميركي التقليدي الذي يتطور جاذباً إليه كمية كبرى من أعراق غير أوروبية ومسلمين وسود من اصول أفريقية بالإضافة الى عشرات الجنسيات الأخرى لكن السيطرة ضمن هذا الفريق هي للبيض الأوروبيين ايضاً من الذين فهموا ان إلحاق قوميات أخرى بهم من أسفل السلم الاجتماعي ليست الا تقوية للنظام الأميركي وتأمين استمرارية طويلة له، لكن هذه المعركة بدت قوية خصوصاً بجمعها لمطالب النظام الاقتصادي الأقوى وطموحات ترامب الرئيس الذي يرى أنه الأصلب في العالم بأسره وما على الأميركيين إلا الاستمرار بانتخابه.
هذا الفريق استهدف مسألة اساسية وهي حاجة الطبقة الوسطى إلى الاستمرار وعجز النظام الاقتصادي الأميركي عن تلبية حاجاتها بسبب كورونا وتراجع الاقتصاد الأميركي، لذلك اتخذ هجوم الطبقة العليا الأميركية بذريعة التمديد لترامب، شكل السيطرة على الشارع والإمساك بالمؤسسات في الكونغرس والوزارة والإدارات.
إلا ان الدولة الأميركية العميقة تنبهت الى أن تأجيج هذه العناصر قد يصل الى حدود تدمير الدولة نفسها، خصوصاً أن وسائل ترامب في التحريض لم تهتمّ إلا بمسألة واحدة وهي عودته الى الرئاسة ولو أدت الى تدمير الدولة.
هناك من يعتقد أن الحزب الديموقراطي تصرف بعقلانية ظهرت في عدم تحشيده مناصريه والامتناع عن الدعوة الى التصدي للمتظاهرين.
فلو فعل ذلك لسقطت الدولة الأميركية في لعبة الصراع بين طبقاتها ومؤسساتها.
لذلك حوصر ترامب بطريقة أجبرته على الاعتراف برئاسة بايدن التي لا يزال يجزم انها مزورة.
واذا كانت معركة ترامب انتهت فإن الصراع داخل تركيبة النظام الأميركي انطلقت وتعلن ولوجه مرحلة تصدُّع بصراعات من نوعين، أبيض شمالي مقابل أبيض شمالي مدعوم من أعراق وطبقات أخرى. وبيض مقابل الأعراق والطبقات الأخرى. بما يؤكد أن تصديع النموذج الاقتصادي الأميركي أصبح حقيقة تحتاج الى مزيد من الانهيارات على مستوى الاقتصاد العالمي.