أميركا: تطوير الهجوم التضليلي

وليد زيتوني

أصبح معروفاً للقاصي والداني، أنّ الولايات المتحدة ومعها ما يُسمّى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب تقوم بهجوم تضليلي بهدف الاقتراب بوسائل أخرى أو بقوات مغايرة من الهدف الاستراتيجي، ألا وهو محاولة فرض شروطها على سورية، كجزء من منظومة الممانعة التي تتكوّن على مستوى العالم.

لقد مرّ الهجوم التضليلي بمراحل عدة. بدأ بالمطالبة بالحرية والديمقراطية ممزوجة باستعراضات مسلحة واسعة النطاق. غير أنّ هذا الأسلوب لم ينجح في سورية كما نجح في تونس ومصر. بل صمدت سورية بجيشها وشعبها بشكل أزعج الإدارة الأميركية وكلّ أعوانها. ومن ثم انتقلت إلى دفع قوات مرتزقة مدعومة بالأموال وكميات أسلحة وأجهزة اتصال، قلّ نظير استخدامها في الحروب الأهلية وحتى المحلية. هذه المرتزقة المجمعّة من كلّ أصقاع الأرض مدعومة بإيديولوجيا وهابية، وإعلام مرئي ومسموع موزع على عشرات المحطات التي أنشئت خصيصاً لهذا الغرض، تحت إشراف خبراء حرب نفسيين تدار مباشرة من قيادة المنطقة الاستراتيجية الوسطى للجيش الأميركي في قطر.

مرة جديدة، لم يصل هذا الهجوم إلى ما تبتغيه الولايات المتحدة. فتحرّكت نحو تشكيل تحالف دولي لمحاربة «داعش»، التي هي أنشأته أصلاً، ليتسنى لها الاقتراب أكثر من هدفها. فـ»داعش» الذي لم يكن موجوداً على الساحة، ولد ما بين ليلة وضحاها من لدن تنظيم «القاعدة» في العراق عند احتلالها، كما ولدت شقيقته الصغرى «جبهة النصرة» وهما من قماشة نفسها «الجبهة الإسلامية» و«جيش الإسلام». تسميات مختلفة وأدوار مختلفة لجسم واحد.

لكن يبدو أنّ هذه القوى لم تستطع أن تؤدّي الأدوار المرسومة لها على رغم الدعم المباشر بالسلاح والرجال عبر تركيا والأردن ولبنان، وبالمال من دول الخليج، كما بتعزيز الخبراء «الإسرائيليين»، ما دفع الأميركيين إلى جعلها «رابوق» الهجوم، أو ما يُسمّى بكلام آخر «حصان طروادة» الأميركي.

تحت هذا العنوان، بدأت أميركا بتحضير البدائل عبر التحالف الدولي، بعد أن أتمّت إغلاق دائرة النيران المفترضة حول سورية. من القلمون مروراً بالقنيطرة وصولاً إلى درعا ودير الزور والرقة ومنها الى إدلب وحلب والشمال الغربي من الساحل السوري. ولا يغيب عن ذهننا أبداً، أنّ سياسة أميركا الحالية تقتضي عدم استخدام قواها العسكرية بشكل مباشر على الأرض، لذلك ستلجأ إلى استخدام القوى العسكرية البديلة، منها ما هو على نموذج الشركات الأمنية بلاك ووتر ، ومنها ما هو جيوش دول منتظمة في إطار التحالف المنشأ لهذه الغاية.

فمشهدية الطيار الأردني الذي سقط بصاروخ طائرة إماراتية، كما جاء في بعض وسائل الإعلام، هي عمل مخطط له ومدروس لجرّ الجيش الأردني لدخول منطقة الرقة بمساندة طيران التحالف وبخاصة دول الخليج. ويترافق هذا المشهد مع تمثيلية الهجوم على مواقع حدودية سعودية. وما سمعناه عن انسحاب الإمارات من التحالف ليس إلا رسالة احتجاج على تسريب خبر إطلاق الطائرة الإماراتية صواريخها على الطائرة الأردنية.

ما يجرى الآن هو عملية غش كبرى في التاريخ، تسوّقها الإدارة الأميركية بالتعاون والتنسيق مع الحكام العرب، وتشترك فيها أوروبا و«إسرائيل»، تستهدف أمتنا بكلّ مكوّناتها البشرية، بدءاً من تهجير الأقليات الطائفية والمذهبية والإتنية وحتى تدمير الأكثرية نفسها بنفسها.

إنّ الأردن اليوم في وضع خطير جداً، يمشي على قدميه إلى حتفه. فالمساعدة العسكرية الأميركية البالغة 350 مليون دولار لن تغنيه وتسمنه. وهي في الواقع لا تشكل إلا رقماً ضئيلاً من الموازنة المرصودة لما يُسمّى محاربة «داعش» البالغة 8.8 مليار دولار يذهب أكثر من نصفها إلى «داعش» وأخواته بطريقة مباشرة وغير مباشرة. فالغارات الأميركية الوهمية تلقي السلاح والذخائر والتموين لـ«داعش» بدلاً من إلقاء صواريخها. هذا ما حصل في عين العرب وما يحصل الآن في الأنبار والرقة وعلى حدود القامشلي. فالطائرات المجهولة ليست مجهولة بوجود الرادارات والأقمار الصناعية وأجهزة الرصد الأرضية.

إنّ إدخال الجيش الأردني سورية، وتحديداً الرقة، يؤدّي بالتأكيد إلى استنزافه إنْ لم نقل تدميره، ليس فقط من ناحية عسكرية بل بنيوياً، كونه جيش يقوم على الولاء للملك ولا يحمل ميزات الجيش العقائدي، تماماً كوضع الجيش اللبناني، فكلاهما يقومان على توازنات داخلية، دقيقة ومعقدة. فإضعاف الجيش الأردني يعني وبكلّ بساطة تأمين مشروع الترانسفير الصهيوني، وإضعاف الجيش اللبناني يؤدّي إلى مشروع التوطين.

لقد تورّط الأردن بما فيه الكفاية، وتورّط لبنان فوق طاقته. وبالتأكيد لن تدفع أميركا من حسابها وحساب مصالحها، بل سيكون الدفع على حساب الدول الهامشية في نهاية المطاف.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى