العالم يتغيّر بسرعة ولا مكان للقائد الأوحد

سعد الله الخليل

تأتي زيارة ستيفان دي ميستورا إلى دمشق لعقد سلسلة من اللقاءات الرسمية بالتزامن مع تطورات الساحتين الإقليمية والدولية.

المبعوث الأممي إلى سورية يتسلّح بنجاح موسكو في تحريك الجمود على الساحة السياسية والإنسانية بانتظار التعاطي مع القوى السياسية وتحريك تفاعل تلك القوى مع مبادرته.

تطوّرات تطاول الملفات الخلافية الرئيسية بين محوري الشرق والغرب، وهو ما بات واضحاً ولا يُخفى على أيّ من المتابعين للشأن السياسي، فحين يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه لن يقبل بعالم يقوده زعيم واحد، وهو الأميركي بالطبع، يفعل ما يحلو له ويسمح للآخرين بالتحرك وفق مطالبه فقط، فإنه يثبت العودة الواضحة لثنائية القطب العالمية التي أدركت حقيقتها واشنطن وتتعمّد تجاهل الاعتراف بها لأسباب تبدأ عند حدود هيبتها التي لن تفرّط بها ولا تنتهي عند رغبتها في الإمساك بأدواتها وحلفائها واستثمارهم حتى الرمق الأخير.

من أوكرانيا إلى اليمن مروراً بسورية ولبنان والعراق، فالغرب الذي أقرّ باستحالة السير في الحرب على روسيا من البوابة الأوكرانية أقرّ باستحالة السير في خط الحرب، ولعلّ تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتأكيدها أن الصراع الأوكرانى لن يحلّ عسكرياً واعتراضها على الاقتراح الأميركي بإرسال أسلحة إلى كييف، وهذا ما أكده جون كيري بعدم وجود خلاف مع أوروبا في الملف الأوكراني وإقراره بالسير نحو الحلّ السياسي.

في سياق الحراك العالمي يبدو مفاجئاً لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف للمرة الثانية منذ وصولهما إلى المانيا على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن خلال أقل من 48 ساعة، أكد عقبها ظريف بالإصرار على رفع العقوبات كشرط لأيّ إتفاق نووي، والذي تزامن مع تصريحات تؤكد إعلان قائد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي موافقته على الاتفاق النووي مع السداسية الذي طالما أكد أنّ عدم توقيع اتفاق أفضل من توقيع اتفاق سيّئ بالنسبة لطهران، فتكرار الاجتماع ومسار المحادثات وتصريحات السيد خامنئي توحي بسير الأمور نحو اتفاق شامل يؤكد سلمية الملف النووي ويوثق حق طهران في التخصيب ويدخل إيران نادي الدول النووية.

في المقلب الآخر من ضفة الخليج تسير الأمور في اليمن السعيد نحو حسم الخلافات السياسية والانتقال بالبلاد نحو مشاركة سياسية بعيداً عن سيطرة أي طرف، وفق معادلة رغبة الأطراف القادرة على الاستئثار والتفرّد بالقرار اليمني وإصرارهم على المشاركة، ما يعني تحرّر اليمن من التأثير والتخريب السعودي في ساحةٍ لطالما اعتبرتها الرياض حديقتها الخلفية وملعبها الأوحد في ضغطها وحربها ضدّ إيران.

من اليمن إلى العراق حيث تزداد رقعة سيطرة القوات العراقية وقوى الحشد الشعبي على الأرض بعد طرد مسلحي تنظيم «داعش» من كامل محافظة ديالى بعد معركة شرسة لتصبح ديالى أول محافظة من بين أربع محافظات محرّرة بالكامل من التنظيم الإرهابي بجهد عراقي خالص، حيث انكسر التنظيم بشكل سريع أمام القوات الأمنية والقوات المساندة لها من المتطوّعين، وبخسارة التنظيم ديالى تمنى تركيا بهزيمتها الثانية داعشياً بعد خسارة ورقة عين العرب كوباني في معركة مزدوجة الأبعاد أولها داعم ومنظم لـ«داعش» والثاني خسارتها معركة في حربها التاريخية مع الأكراد وما بين ديالى وعين العرب تتوالى هزائم التنظيم التركي في الحسكة والقامشلي على يد الجيش العربي السوري ووحدات حماية الشعب الكردي وقوات المقاومة الشعبية الرديفة، ولعلّ خسارة التنظيم أكثر من 30 قرية خلال أسبوع لا يترك مجالاً للشك بتقهقر التنظيم الذي لطالما حاول بث الرعب في النفوس، وصوّرته البروباغندا الأميركية التي تدور في فلكها بأنه لا يُقهر، فإذ به يتلقى الهزائم الواحدة تلو الأخرى والتي امتدّت إلى نقاط نفوذ التنظيم في حمص وريفها والتي تكشف الأخبار خسائر يومية للتنظيم، ولا يبدو حال التنظيمات الإرهابية في جنوب سورية بأفضل حال من أشقائها في الشمال والوسط فبعد الصفعة التي تلقاها العدو «الإسرائيلي» في مزارع شبعا يدرك أنه غير قادر على التمادي أكثر بعد انتقال موازين الردع لمحور المقاومة في اختيار توقيت ومكان عمليات الردّ، ولعلّ تصريح نتنياهو بوجوب الردّ خير دليل على فشله وعجزه عن أيّ مبادرة على الأرض تنقذ مجموعات النصرة الجناح «الإسرائيلي» على الأرض السورية من التهاوي أمام ضربات الجيش العربي السوري.

تسارع التسويات على الملفات الخلافية يؤكد أنّ مشهد النهايات يقترب والعالم ككلّ والشرق الأوسط يتغيّر، وروسيا وحلفاءها يثبتون استحالة وجود قائد أوحد للعالم، والأيام القريبة المقبلة كفيلة بالكشف عن تفاصيل هذا التغيّر.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى