لماذا نريد الخبر «الآن»!
} مريم بليبل
ما كان يصل للناس من أخبار قديماً، كان عبارة عن أهمّ ما يجب على العموم معرفته من قبل السلطة، فتُعلّق البيانات على عواميد الساحات. ليطّلع عليها من استطاع إليه سبيلاً.
الآن بات بوسع أيّ إنسان الاطلاع على أخبار خارج حدود جغرافيا الخبر بأميال وخارج حدود إمكانية استفادته من الخبر. بوسعه التعليق عليه والتفاعل معه، وهذا عادة لا يؤثر على مسار الخبر. لكنها أصبحت «نزعة المعرفة» – بمنحيَيها السلبي والإيجابي – التي سادت مع التطوّر التدريجي لوسائل الإعلام، وهي اليوم في ذروتها مع الإنترنت.
بتنا نسلّط أعيناً على مستجدات كلّ المناطق وكلّ البلدان فقط عبر كبسة زر واحدة لتتبّع منشورات عديد الصفحات التابعة لمواقع إخبارية فتصل إلينا دون سؤالها ذلك.
هذا الأمر انعكس على سلوك وسائل الإعلام القديمة التي فرضت عليها صعود الأخبار الخفيفة، أن تغيّر من نوع وجودة ما تقدّم فباتت تقدّم معلومات أكثر نعومة وأقلّ عمقاً، لأنّ الجمهور يريد ذلك.
ما نعيشه اليوم من ازدحام للأخبار التي ترقى لتوصيفها بالأخبار «العاجلة» خاصة تلك التي تعرض في تقارير نشرات الأخبار التلفزيونية، وتَوجّه العامة لتلقّفها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتغاضي عن قراءة هذه الأخبار بأسلوب معمّق أكثر في الجرائد، يجعلنا نطرح السؤال: «لماذا بتنا نريد الخبر الآن؟» هل هو من فرض نفسه على مكان رأس اهتمامنا، بفعل انتشاره على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المواقع الإخبارية، أم أنّ مزاج الجمهور تغيّر ففرض على الخبر أن يصل بهذا الأسلوب… أم أنها العولمة التي تحكّمت بالإثنين معاً؟
يسعنا أن نقول هنا، أنّ ما من دافعٍ شخصي لدى الجماهير يجعلهم يبحثون في الخبر كثيراً، وهذا الأمر قد يكون عقلانيّاً. لكننا هنا نكون قد أغفلنا أنّ للإعلام مهمة أساسية إلى جانب تجميع الأخبار وطرحها، بل وتصنيفها وفقاً لأهميتها بعد أن تدرس مدى انعكاسها وحدّته على مصير الشعب/الجمهور ـ بالتالي الجمهور، الذي ينبغي على الإعلام وضع مصالحه نصب عين أهدافه، هو في نظر الإعلام نفسه غير مؤهّل لأن يقدّر ما يجب عليه معرفته وما يجب عليه معرفته بعمق.
إنّ بدايات الصحف كانت متعثّرة، لم تلقَ قبولاً من معظم الفلاسفة وأشهرهم في ذاك الوقت، فهي التي أتت بمواد خفيفة بالنسبة للكتب التي كانت تتفرّد بالساحة الثقافية – الإخبارية، قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في معرض هجومه على «أصالتها»:
«ما الكتاب الدوريّ (المجلة/الصحيفة)؟ إن هو إلّا نشرة عابرة لا فضل لها ولا إفادة فيها، لا تفيد قراءتها المهملة والمحتقرة من قِبل الرجال المثقفين، إلا في إعطاء النساء والأغبياء غروراً غير ذي تهذيب». ليتبع هذا الهجوم صعوداً لصيتِ الصحافة والصحافي، ويصبح لهؤلاء المفكرين أصحاب المؤلفات، عواميد في الصحف تغني تقديرهم من قبل الجماهير.
فهل نشهد هذا التحوّل للمواقع الاكترونية الإخبارية؟ عليها أن تغني مضامينها ليلحقها هذا التقدير…