هل يقترح الكاردينال الراعي فكرة المؤتمر التأسيسي؟
} د.وفيق إبراهيم
الحائط المسدود في مراحل تشكيل حكومة جديدة للبنان يعكس انهيار أسلوبين تاريخيين وتقليديين تعتمدهما القوى السياسية اللبنانية منذ 1948، الأول هو الاعتماد على القوى الخارجية للسيطرة على السياسة في الداخل اللبناني.
أما الثاني فهو أسلوب التحشيد الوطني الذي يذهب في معظم الأحيان نحو تمجيد الأرز والتاريخ لكسب تنازلات من الفريق الآخر.
الآن بات لبنان من دون أسلوبيه المعتمدين منذ سبعة عقود على الأقل، بما يعني أنه مكشوف تماماً، وذلك بتراجع الضغوط الخارجية التي لا تزال حتى الآن غريبة بشكل كامل وفقط.
الكاردينال الراعي يعتمد حتى الآن أسلوب إثارة النخوة الوطنية على المثال التالي: هل يمكن لوزير أن يكون أغلى من لبنان؟
ألا يأتي الوزراء من الشعب وقوتهم تأتي منه مباشرة، سواء اكانوا ستة وزراء أم سبعة أم أقل أو أكثر؟ لا يهم بالنسبة للكاردينال، ما هو هام يتعلق مباشرة بضرورة وضع سياسة جديدة موضع التنفيذ تقوم على الحياد بين «إسرائيل» (العدو) وسورية، وهذا ورد حرفياً على لسان الكاردينال.
أما لجهة الارتماء في أحضان الخارج لتحقيق تغيير في الداخل، فأمره واضح بتموضع الكاردينال بين السياستين الفرنسية والأميركية بتعميد مقدّس من الفاتيكان.
والدليل أيضاً في أن الكاردينال كشف في إحدى خطبه أن الطرف الآخر لا يشبهنا، وكان يقصد «الخلاف الثقافي» الذي حدّد علم الاجتماع إطاره في الملبس والمأكل والمأوى والجنس.. هذه العناصر أدّت الى هيمنة فرنسية غربية على الاجتماع اللبناني بشكل بات الكاردينال يعتقد أن كل من يمارسها بطرق مختلفة لا «يشبهنا».
لكن علم الاجتماع يكشف أيضاً أن التشابه وصولاً الى التقليد يؤدي الى الانصياع الكامل كما يروِّج له نيافة الكاردينال.
ما بات واضحاً بقول للكاردينال بصراحة أن الأسلوبين سقطا في الوقت الحاضر فلا المبادرة الفرنسية تمكنت من التسلل والنجاح ولا السياسات الواردة من السفارة الأميركية تمكنت من إعادة بناء 14 آذار جديدة.
كما ان نمط إثارة النخوة هوى الى الحضيض حتى أن كثيراً من القوى السياسية اللبنانية قال للكاردينال بأسلوب النفخ الوطني أن لبنان الحالي يحتاج الى فتح مؤسساته السياسية أمام كل تنوّعات اللبنانيين تماماً كما فعلت سلسلة الثورات الأميركية والانجليزية والفرنسية، حتى أن أحداً لم يعد يعرف من هو الكاثوليكي او البروتستاني او الانجيلي وصولاً الى اليهودي؟
لم يلق طارحو هذا السؤال من الكاردينال إجابة لأنه اكتفى بهزة رأس عميق، لم يفهمها أحد اذا كانت موافقة او قشعريرة من هذا السؤال!
حتى الآن لم تسمح انهماكات الكاردينال الراعي بالإجابة عن هذا السؤال، عند هذا السؤال توقف حوار الراعي الذي آثر العودة الى تأمين هدنة بين الفريقين الماروني أي رئاسة الجمهورية والتيار الحر وبين الفريق السني أي الرئيس المكلف سعد الحريري وحزب المستقبل.
فهل توهّم الكاردينال بإمكانية عقد هدنة بين هذين الفريقين تستطيع بمفردها جذب رئيس المجلس النيابي نبيه بري والتأسيس لمعادلة رئاسية فرنسية أميركية ومارونية سنية، أي شبيهة بمعادلة الطائف..
هناك سؤال آخر يتعلّق بمدى إمكانية الراعي تحقيق معادلة تقوم على عزل الآخرين مع إعادة بناء نفوذ فرنسي أميركي، لا تبدو قواعده راسخة في السياسة اللبنانية الحالية، فهناك حزب الله أي القوة اللبنانية المحورية، تضعه اقتراحات الراعي خارج المعادلات وكأنها ترفع عنه غطاء مفترضاً هو بالأصل ليس موجوداً، فأين الحل إذا؟
هناك تيار كنسيّ يطالب الراعي بالاعتراف بالموازين في الداخلية والتأسيس لتيار داخلي لبناني يتعامل مع تطورات الداخل من دون استعمال الخارج لإجهاضه، فمثل هذه المحاولات فشلت بنماذج التاريخ لذلك يرى هذا التيار أن بناء معادلة داخليّة جديدة على اساس المثالثة او الدولة المدنية هو خيار يؤسس لدور سياسيّ جديد للمسيحيين يُضيف إليهم مئة سنة سياسيّة جديدة من الدور السياسي، فمسيحيّو لبنان هم المسيحيّون الوحيدون الذين يؤدون دوراً سياسياً في العالم الإسلامي باسره، وهذه ميزة اتسم بها لبنان ويفاخر بها، لكن المطلوب وجود قوة مارونيّة تستطيع تبني معادلة تفتح أبواب السياسة على كامل قوى الطوائف اللبنانية، فيتحقق التعادل مع إمكانية حماية لبنان من الإرهاب السياسي المحيط به والذي لا يحتمل وجود مسيحيين او أي مسلم من الأقليات.
فهل يصل الكاردينال الى هذه المعادلة؟
هناك رفض أميركي لمثل هذا الطرح يدفع بشكل طبيعي إلى رفض فرنسي مع محاولات لتأجيج قوى الداخل في وجهه، ما يعني أن لبنان مقبل على مرحلة من التأجيج الخارجي لأوضاعه الداخلية. وهذا يحتاج الى تضافر جهود الكاردينال مع نظرائه في دور الإفتاء والقوة السياسية المدنيّة لإنقاذ لبنان.