رفيق محمد الددا من منارات العمل القوميّ الاجتماعيّ النضاليّ في مدينة صيدا

لبيب ناصيف

عرفت مدينة صيدا الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي، وانتمى في صفوفه رفقاء من مختلف عائلاتها وبينهم: علي الزين، رفيق السنيورة، وفيق البساط، رائف زنتوت، منير السنيورة، شفيق السنيورة، هلال عميص. وبرز منهم معروف سعد منفذاً عاماً للحزب، وعشرات الرفقاء ممن سطروا صفحات مضيئة في درب النضال القومي الاجتماعي، مثل الرفقاء توفيق عسيران، كامل عميص، ومحمد علي الشماع.

من الرفقاء الذين عرفتهم مدينة صيدا نتكلم اليوم عن الرفيق المناضل رفيق محمد الددا.

عرفته جيداً منذ أواخر خمسينات القرن الفائت ورافقته في مسيرته الحزبية النضالية: قبل مشاركته في الثورة الانقلابية، بعد خروجه من الأسر وخلال إقامته في عين الرمانة… وتواصلت معه في السنوات التي أمضاها خارج الوطن في السعودية، ثم لدى عودته وتوليه للمسؤوليات الحزبية في صيدا أكثر من وآخرها عندما تولى مسؤولية مدير مديرية صيدا، ثم توقفه بسبب الوعكة الصحية التي لازمته حتى فارق الحياة.

طوال تلك السنين لم يكن الرفيق رفيق محمد الددا سوى ابن النهضة إيمانا والتزاماً ومناقب وقدوة.

لم يتراجع يوماً ولم يجبن أمام أخطار واجهته مراراً. لم يتخل عن المجاهرة بانتمائه في مختلف الظروف، ولم يكن مرة واحدة إلا قومياً اجتماعياً في جميع تصرفاته. والى جانبه رافقته جمانة الحكواتي زوجة ورفيقة، ومعه عانت وتهجرت وصمدت وواجهت… واستمرت، مثله، قومية اجتماعية حتى آخر شريان في عروقها.

في أيلول وتشرين الأول 2001 دوّن الرفيق مناف مجذوب 1 للرفيق رفيق محمد الددا معلوماته عن انتمائه الى الحزب ومسيرته الحزبية، ننقل أهم ما ورد فيها:

« تعرفت على الحزب عن طريق الحلقات الإذاعية التي كانت تعقد في منازل بعض القوميين في صيدا. وكانت الحلقات التي كنت أحضرها بأكثريتها طلابية. وكان طلاب مدرسة الفنون الأميركية «الأميركان» للصبيان في صيدا، هم العدد الأكبر في هذه الحلقات. وكان الحضور في هذه الحلقات أو الاجتماعات الإذاعية التثقيفية يتراوح بين 10 عشرة و15 خمسة عشر مواطناً. وهذه الاجتماعات التثقيفية حول الحزب وعقيدته وجهاده، أهلتني لأن أقسم اليمين للحزب في ربيع ذلك العام، أي عام 1952، وذلك في منزل الرفيق محمد علي الشماع، منفذ عام صيدا، وكان شاهداً على انتمائي وقسم اليمين الرفيقان علي الزين ورفيق السنيورة من منفذية صيدا. وألحقت حينذاك في مديرية صيدا التي كانت تضم زهاء خمسين قوميا، وقد تعاقب، على حد علمي، على إدارة منفذية صيدا-الزهراني، بعد الرفيق محمد علي الشماع على التوالي: الرفقاء وفيق بساط، نزيه الأسعد، نظمي عزقول وآخرهم سلمان قطيش حتى عام 1958 عندما اندلعت الأحداث المعروفة التي استهدف فيها الحزب مباشرة من قبل قوى المعارضة في عهد الرئيس كميل شمعون. ففي صيدا هوجم منزل المنفذ الرفيق سلمان قطيش وبعض منازل القوميين الأخرين. وأعتقل البعض. وكنت حينذاك مديراً لمديرية صيدا منذ عام 1957 حتى أحداث أيار 1958. امام هذه الهجمة على الحزب، التحقت بالمخيم في بيت الشعار أنا والرفيق المرحوم سلمان قطيش ورفقاء جنوبيين من مخيم عين الحلوة، وكذلك الرفيق هلال عميص ناظر التدريب في منفذية صيدا. وبعدها

بقيت مدة عام ونصف العام في منزل الرفيق سلمان قطيش بديك المحدي. ولم أستطع أن أعود الى مدينتي صيدا إلا في منتصف عام 1959، حيث كنت أمارس عملي كرسام هندسي في بلدية بيروت. وقد فاتني أن أذكر أنه عند بدء أحداث 58 استلمت صادرة من عمدة الداخلية تدعو القوميين للالتحاق بمخيمات الحزب، وإلا فالحزب غير مسؤول عن سلامة الذين لا يلبون أمر الحزب حينذاك».

من ذكريات الرفيق الددا، مثلما دوّنها الرفيق مناف مجذوب، الاحتفال الذي أقيم عام 1953 في منزل وحديقة «الوجيه» الصيداوي وجيه يوسف أبو ظهر في حي آل ابو ظهر، وهو من الأحياء الكبيرة في المدينة. كان خطيب الحفل حينذاك غسان تويني، وكان حفلاً حاشداً ضمّ المئات من المواطنين والقوميين من مناطق صيدا والزهراني، وأطلقت في نهايته الأسهم النارية. وأذكر احتفالاً آخر لمناسبة أول آذار عام 1954 أقيم في منزل الرفيق منير السنيورة في قلب مدينة صيدا القديمة، وهذا المنزل كان واسعاً وملاصقاً للجامع العمري الكبير ولمدرسة المقاصد في منطقة ضهر المير. وكان الحضور كثيفاً وحاشداً من المواطنين الصيداويين والطلاب المقاصديين. وكان خطيب الحفل الأمين عبد الله قبرصي. وكان لهذا الحفل صداه الواسع في المجتمع الصيداوي حينذاك».

يضيف: « لا بدّ من الاشارة الى أن مديريات صيدا ومخيم عين الحلوة وبلدة المية ومية ومخيمها كانت تشكل محوراً حزبياً هاماً في منطقة صيدا ـ الزهراني، وذلك للارتباط الوثيق عمرانياً وسكانياً بين مدينة صيدا والمية ومية ومخيم عين الحلوة، حيث استطاع الحزب أن يؤسس قاعدة حزبية هامة في مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وفي البلدة نفسها، وكانت ترفد المنفذية بقوميين مدرّبين ومؤهلين للدفاع عن الحزب في أي طارئ. وبعد عودتي الرفيق رفيق الددا في منتصف عام 1959 إلى صيدا عينت مندوباً إدارياً لمنطقة صيدا ـ الزهراني وجزين وكان الرفيق مناف مجذوب قد انتمى الى الحزب، فكلفته بمعاونتي في المندوبية الإدارية. وكانت أولى مهماتنا إعادة تنظيم الوحدات الحزبية إعتماداً على الرفقاء الذين أبدوا استعدادهم للانتظام الحزبي من جديد. وقد لقينا استجابة من مفوضية عين الحلوة، حيث عين مفوضاً الرفيق قاسم الحلبي. وأذكر من الذين ضمتهم المفوضية الرفقاء: مرعي حمادة، يحيى حمادة، موسى عوض، ابراهيم عوض، ابراهيم الخطيب، خالد سعيد، عبد الحاج، والشهيد علي الخطيب الذي استشهد أثناء التحقيق بعد الثورة الانقلابية 1961 بحجة محاولة الفرار أثناء نقله بشاحنة عسكرية. ومن عين الحلوة استشهد ثلاثة رفقاء هم أحمد الشايب وفلاح مفلح وصالح الخطيب وذلك بعد عودة الرفقاء الثلاثة لتفقد منازلهم في المخيم بنهاية أحداث 1958، فتم الغدر بهم رغم الضمانات التي أعطيت لهم من قبل قيادة الجنوب العسكرية الجيش اللبناني .

«بعد أن تعين الرفيق محمد جابر 2 مندوباً مركزياً للجنوب، عينت معاوناً له بالإضافة لمهمتي في صيدا الزهراني كمندوب إداري. هذا الوضع استمر حتى حدوث المحاولة الانقلابية من قبل الحزب ليلة 31 كانون الثاني 1961. حيث نفذت أمراً حزبياً من حضرة عميد الدفاع الرفيق بشير عبيد الأمين. رئيس المجلس الاعلى. الشهيد بالمشاركة في العملية الانقلابية أنا والرفقاء محمد جابر، طلال فخر الدين وداود توما رزق الله من النبطية، تيسير قانصو من الدوير وحبيب حداد من جزين، ورفقاء من مخيم عين الحلوة: الشهيد علي الخطيب، ابراهيم الخطيب، موسى عوض، ابراهيم عوض، وخالد سعد بدر ومرعي حمادة. وكانت المهمة التي كلفنا بها من حضرة عميد الدفاع «اعتقال النائب معروف سعد لموقفه المعادي والشرس تجاه الحزب حينذاك، وتسهيل مهمة قائد الانقلاب الرفيق فؤاد عوض الذي توجه على رأس كتيبة المصفحات من ثكنة مدينة صور نحو وزارة الدفاع في بيروت، ومواكبة الكتيبة أثناء مرورها على الخط الساحلي صور- صيدا – بيروت وإعلام القيادة الحزبية في بيروت عن خط سير الكتيبة بواسطة عبارات خاصة بالتلفون. ويضيف أنه بعد فشل الانقلاب، صدر حكم عليه مع باقي الرفقاء لمدة خمس سنوات قضاها في سجن القبة في طرابلس وسجن القلعة في بيروت وخرج أوائل عام 1967،

بعد أن صدر العفو عن المحكومين القوميين في شباط 1969، وأعيد النشاط الحزبي الى منفذية صيدا. «كان الأمين حنا الناشف يتولى مسؤولية المنفذ العام وكنت معه ناظراً للمالية في المنفذية والأمين الشهيد محمد سليم ناظراً للإذاعة والرفيق مصطفى سليم ناظراً للتدريب أما الناموس فكان الرفيق ابراهيم الغريب من بلدة مغدوشة. وقد انطلق العمل الحزبي بقوة بعد تشكيل المنفذية وهيئتها، منها أننا اخترقنا مدرسة دار المعلمين وثانوية الصبيان في عين الحلوة، حيث انتمى للحزب عدد كبير من الطلاب».

عند رحيل الرفيق رفيق الددا، نشر رفيقه وصديقه مناف مجذوب كلمة عنه في عدد مجلة «البناء – صباح الخير» 1088 تاريخ أول تموز 2007 ننقل منها المقطع الآتي:

«بعد خروج الرفيق رفيق الددا من السجن عام 1967، عمل في القطاع الهندسي الخاص في لبنان. وانتقل الى العمل في السعودية منذ 1975. وفي ذلك التاريخ اقترن بشريكة حياته الرفيقة جمانة الحكواتي ورزق منها بولدين، شادي وفرح. أعوام الأسر والعذاب لم تنل من روح رفيقنا رفيق، وأذكر أنني عند خروجه من الأسر ذهبت لأحييه في منزل أهله القريب من منزلي في صيدا، وإذ بالرفيق الراحل، كما عهدته وعهده الرفقاء، لم تغيّره الأيام والسنون، بل زادته صلابة وقناعة وإيماناً بأن الطريق التي شقّها سعادة للأمّة هي الطريق الوحيدة للخلاص.

«مع بداية الأحداث اللبنانية، اضطرّ إلى مغادرة منزله في عين الرمانة، وهو المنزل الذي شهد العديد من النشاطات الحزبية. كان منزل الأمين حنا الناشف، المنفذ العام حينذاك، ملاصقاً لمنزله، وكان الرفيق رفيق عضواً في هيئة المنفذية.

«مع بداية العام 1994 واجه الرفيق الراحل المرض، فخضع لعلاجات مكثّفة في لبنان وفي فرنسا حيث يقيم شقيقه سمير، ورغم ذلك، لم يتخلّ عن واجباته الحزبية، فبقي مناضلاً صلباً حتى الرمق الأخير.

مُنح وسام الواجب في العام 1998، غيبه الموت صبيحة يوم الثلاثاء 12 حزيران 2007، وبغيابه فقدت صيدا والجنوب والحزب رجلاً مقداماً مترعاً بالاخلاص والتفاني تميزت مسيرته بالتضحية والعطاء من دون تبجيج ولا غرور».

هوامش:

1 – كان يتولى مسؤولية رئيس لجنة تاريخ الحزب في منفذية صيدا.

2 – كان الأمين محمد الحاراتي يتولى مسؤولية مندوب مركزي في الجنوب، وهو من «قب الياس» وسبق أن نشرت نبذة عنه. بعده عُيّن الرفيق محمد جابر من مدينة النبطية . شارك في الثورة الانقلابية وحكم عليه. لمن يرغب في الاطلاع على النبذتين المعممتين عنهما الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

من وحي سعاده

عندما تتجمع الوحوش للنيل من حزبنا ومن أمتنا،

لا خيار أمامنا إلاّ أن نلتفّ مع رفقائنا، ومعهم نواجه ونتصدى ونقاتل.. وننتصر.

كل خيار آخر غريب على قسمنا وعلى وجداننا القومي.

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى