تجربة ممرّضة لبنانية أخذت اللقاح في باريس
} مريانا أمين
بعد توفر اللقاح وكما بات معلوماً أنّ الأولوية ستكون للطواقم الطبية من أطباء وممرّضين وغيرهم من الذين أخذوا على عاتقهم الاهتمام بمرضى كورونا في جميع أنحاء العالم. فرنسا واحدة من هذه الدول التي سارعت إلى تأمين اللقاح، وتطمين الناس وتشجيعهم على التلقيح دون خوف أو هلع.
لكن الشارع الفرنسي منقسم في رأيه وخياراته، بحيث نرى أنّ قسماً يريد أخذ اللقاح، وأخر يرفضه، وانّ قسماً ثالثا ما زال متردّداً، وهذا ليس غريباً، لأنه منذ أن تمّ الإعلان عن توفر اللقاحات، أثارت الجدل ولا تزال، بين مؤيد لها ومعارض حتى يومنا هذا.
أما الممرّضة اللبنانية الفرنسية مي الأمين التي هاجرت الى فرنسا عام 1996 (من قرية شقرا) الجنوبية وكانت تعمل كممرضة في لبنان، وبحكم عملها الإنساني قرّرت الموافقة على أخذ اللقاح منذ يومين، حتى لو لم تكن مقتنعة به بشكل كامل.
ووفق قولها لـ “البناء”، فإنها وافقت لضرورة إنسانية لتحمي المرضى وعائلتها ونفسها من خطر الإصابة او نقل “الفايروس” لأيّ أحد.
إنها ممرّضة وَهَبت حياتها لهذا العمل الإنساني البحت، ولن تتوانى هي وزملاؤها عن الذهاب إلى بيوت كبار السن كي تطمئن عن حالتهم الصحية كلّ يوم، لأنه كما هو معلوم فإنّ المستشفيات حتى الفرنسية منها لم تعد تستقبل في غرفها إلا الحالات الصعبة من المصابين بكورونا.
والاهتمام بالمرضى في بيوتهم يجعل الممرّض في دائرة خطر الإصابة بالمرض بالرغم من كلّ الوسائل الوقائية التي يتخذها للحفاظ على نفسه وعلى من حوله.
وتعبّر الأمين عن الخوف الأساسي الذي كان يعتريها قبل اتخاذ قرارها النهائي، وهو بسبب إصدار اللقاح الذي طوّرته شركة (PFIZER) في وقت خيالي، فكما هو معروف عالمياً عن أيّ لقاح يتمّ التوصل إليه يكون بحاجة لثمانية عشر شهراً على الأقلّ من الأبحاث المخبرية، لكن هذا اللقاح ونظراً لتفادي الكوارث الإنسانية فقد تمّ إنجازه في أقلّ من سنة، وهذا ما يثير قلق البعض اتجاهه.
وكما أفادت جريدة (Le monde) الفرنسية بتاريخ الرابع عشر من شهر كانون الأول من عام 2020 فإنّ الأبحاث على لقاحات كهذه قد بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، وكانت قد سّرعت شركة (PFIZER) على تطوير وتصنيع هكذا لقاحات منذ إنتشار وباء كورونا حيث وضعت جهوداً عالية لإنتاجه مبكرا تفادياُ للآثار الكارثية له.
أما الشعور الذي اعترى الأمين عند الذهاب لأخذه، فكان شعورين؛ الأول هو القلق من وجود عواقب غير واضحة المعالم وربما تكون سلبية وخطيرة، والشعور الثاني هو أملها بأن يكون هذا حلاً لإنقاذ نفسها وإنقاذ الآخرين ومساعدتها على اكتشاف عوارض وعواقب هذا اللقاح إيجابياً أو سلبياً، لأنها من أوائل الذين أخذوا اللقاح وهذا طبيعي لأنها جزء من الجسم الطبي.
مشيرة إلى أنّ البعض من زملائها رفض أخذ اللقاح رفضاً قاطعاً لأسباب متعددة.
وقبل أخذها الجرعة الأولى تمّ سؤالها سؤالاً مهماً جداً: “هل اختلطت مع مصابين منذ أقلّ من ستة أيام بدون اتخاذ الاحتياطات الوقائية والاجراءات اللازمة!؟”
والأسئلة الأخرى دوّنتها في استمارة خاصة بحالتها الصحية المعتادة كالضغط أو الحساسية مثلاً أو الأمراض المزمنة.
عندها تمّت الموافقة على إعطائها الجرعة الأولى من اللقاح، لكنها بقيت تحت المراقبة نصف ساعة من أجل استبعاد أية مضاعفات تلقائية مباشرة قد تحصل.
بكلّ الأحوال من يأخذ اللقاح يتوجب عليه أمور تقنية متعددة.
إذن الجرعة الأولى أخذت ويبقى ثمانية وعشرون يوماً لأخذ الجرعة الثانية من اللقاح نفسه.
وبعد إتمام هذه العملية بأمن وسلام وبدون أيّ تكلفة مادية، عبّرت الأمين عن أسفها لتأخر دولتها الأمّ في تأمين اللقاح حتى الآن للمواطنين الذين يودّون أخذه، وخاصة الطاقم الطبي اللبناني الذي تعتبره من أكفأ الطواقم، والأكثر تضحية في عمله دون وجود مردود مادي يفي العاملين فيه حقهم، وحق تعبهم المتواصل والمضني؛ فالكلّ يعرف أنّ الممرّضين هم أول من يسمعون أصوات الأطفال لحظة ولادتهم قبل ذويهم، ولهم قلوب تتحمّل ما لا تتحمّله قلوب الآخرين، وكم غيّروا حياة الناس، وكم أنقذوهم من الموت ليرجعوا إلى عوائلهم وأحبابهم سالمين.
على كلّ حال هذا اللقاح أو غيره سيصل الى لبنان يوماً ما، وإلى طواقمه الطبية والممرّضين، فمنهم من سيقرّر أخذه كما فعلت الأمين رغم القلق من العواقب، ومنهم من سيرفضه رفضاً قاطعاً ولكلّ أمرئ أسبابه وحيثياته وقناعاته. أمام هول هذا الفيروس” الذي بدأ يفتك بنا واحداً تلو الآخر دون التمييز بين طاقم طبي وطاقم سياسي وبين شاب وكهل وامرأة ورجل.