أولى

المستشفيات الخاصة والمصارف الخاصة

بالنسبة لكل دول العالم شكل وباء كورونا الهمّ الأول خلال عام مضى ويشكل الهمّ الأول لعام مقبل على الأقل، ووفقاً لكل الخبرات التي راكمتها منظمة الصحة العالمية ووضعتها بتصرّف الحكومات عبر العالم، يجب أن يتصدر التعامل مع هذا الوباء الاهتمامات الحكوميّة بغض النظر عن سائر اهتماماتها، وأن يحظى بأولوية إنفاقها وأولوية ترتيباتها الإدارية وأولوية حجم انخراط القطاع الخاص في تحمّل المسؤولية، وأولوية التدابير الحكوميّة التي تتوجّه بها الى المواطنين لتقييد حركتهم وتنظيم أعمالهم ضمن ما يتناسب مع مخاطر تفشي الوباء.

في لبنان يمكن أن يُقال الكثير من موقع تصحيح في ما يجب فعله، سواء لجهة درجة الالتزام بالتقيد الشعبي بالتعليمات الخاصة بمواجهة كورونا، أو لجهة نواقص الأداء الحكومي، لكن ثمة ما يجب أن يُقال أيضاً لجهة دور القطاع الخاص، ويدرج هنا كيفية تعامل شركات الأدوية ومستورديها والصيدليات بعقلية تجارية. وهذا واقع ملموس بمقارنة حجم المبالغ المنفقة من مصرف لبنان على الاستيراد المدعوم للأدوية والمعدات الطبيّة وبين حجم معاناة اللبنانيين في الوصول لهذه الأدوية، وحجم شكوى المستشفيات من نقصان المعدّات، في ظل الكثير من الشكوك والمعلومات عن تهريب الدواء والمعدّات الطبّية المشتراة بأسعار مدعومة بتصديرها الى بلدان أخرى خصوصاً الى البلدان الأفريقية.

الأخطر هو ما تقوله تقارير منظمة الصحة العالمية عن حجم مشاركة المستشفيات الخاصة في مواجهة وباء كورونا. فتقارير المنظمة العالمية تقول بالأرقام إن عدد الأسرة الاستشفائية في لبنان بما فيها أسرّة العناية الفائقة كافية لمواجهة مخاطر تعاظم كورونا، لكن 80% من هذه الأسرة موجودة في المستشفيات الخاصة، وأن نسبة مشاركة هذه المستشفيات لا تزال بنسبة 10% من طاقتها فقط، أي 1200 سرير من اصل 13000 منها 800 سرير عناية فائقة من أصل 1700.

المستشفيات الخاصّة تضع مطالبها بالإفراج عن أموال مستحقة على الدولة والجهات الضامنة شرطاً لتعديل مساهمتها من 10% الى 25% أي بإضافة قرابة 2000 سرير لمصابي كورونا ورفع عدد أسرّة العناية الفائقة من 800 الى 1200.

لا جدال في هذه الحقوق للمستشفيات، لكن الجدال هو في القلق من تكرار تجربة المصارف الخاصة التي عاقبت اللبنانيين بوضع اليد على ودائعهم، تحت شعار حق استرداد ودائعها في مصرف لبنان وديونها على الدولة اللبنانية، والحالتين تتجاهلان حجم الأرباح التي حققها كل من القطاع المصرفي والقطاع الاستشفائي خلال عشرات السنوات، وخطورة تدفيع اللبنانيين كمواطنين من صحتهم كلفة هذا الضغط، وما يجعل اللبنانيين في إحراج برفع الصوت بوجه أصحاب المستشفيات هو أنهم بخلاف المصارف، يملكون وجهاً إنسانياً يمثله الأطباء والجهاز التمريضي الذين يشكلون مصدر اعتزاز بحجم تضحياتهم والأعباء التي يتحملونها. وبالتوازي فالمستشفيات بخلاف المصارف لم تتوقف عن العمل ولا تزال في ساحة الاشتباك، ولهذين الاعتبارين يتطلع اللبنانيون نحو تفاهم صريح وواضح ونهائي وقابل للتنفيذ الفوري بين المستشفيات والحكومة ينتهي برفع الجهوزية الاستشفائية للقطاع الخاص الى النسبة التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية وهي 60%، لأن ذلك سيعني تأمين 5000 سرير إضافي مزوّد بقدرة تأمين الأوكسجين و500 سرير إضافي للعناية الفائقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى