مدارات ما هو المطلوب من مصر الجديدة بقيادة السيسي؟
محمد شريف الجيوسي
اتخذت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر في عهد الرئيس المصري الجديد عبد الحميد السيسي أهمية خاصة، يتصل بعضها بشخص بوتين، الذي انتزع روسيا من براثن التهميش الغربي واستلابها، منتقلاً بها إلى مصاف الدول العظمى في العالم من دون اتحاد سوفياتي وكتلة دول اشتراكية، وجعل منها حالة صعود وبناء تكتلات اقتصادية كبرى جديدة، فيما الولايات المتحدة الأميركية، تمر في حالة هبوط وأزمات وحروب وكراهية العالم لها، مخلّصاً روسيا والعالم من هيمنة وغطرسة القطب الواحد وإنتاجاته.
وستسهم تداعيات الزيارة في تخليص مصر من استفراد الغرب وأدواته في المنطقة، وهو الاستفراد الذي تسابقت أطراف معروفة إليه فور إسقاط نظام حكم إخوانيي مصر، بمساعدات «الاحتواء» وغيره، وهي «مساندة» لم تكن في مصلحة مصر، فقد أربكت المساعدات النظام بين الطموح إلى قرارٍ مصريٍ مستقل وصعوبة الخلاص، ما بدا أنه دعم للنظام المصري الجديد، الذي هو في الحقيقة دعم تعلّق برفض مجيء نظام سياسي بثوب إسلامي ينافس السعودية على قيادتها للعالم الإسلامي، وهو يفسر أيضاً علاقات السعودية غير المريحة على الأقل مع كلٍ من إيران وتركيا، أكثر من الترحيب بالحالة الجديدة في مصر. ويبدو أن النظام الجديد في مصر والسيسي أدركا هذه الحقيقة، فحاول الرئيس المصري بناء علاقات متوازنة بين معسكريْ التوازن الدولي الجديد، فزار فرنسا وإيطاليا، وزار روسيا والصين، وكانت زيارته موسكو قبل أن يصبح رئيساً.
لكن مصر الجديدة، ما زالت رهينة السياسة الأميركية إلى حد بعيد، ابتداءً بمعاهدة كامب ديفيد وعدم عودة السفارة السورية إلى مصر وإن حدث تحسن في العلاقات بين القاهرة ودمشق، ورحب إعلام الأخيرة بالنظام الجديد فضلاً عن صعود الإرهاب الإخواني وانسحاب موقف مصر من حماس المتورطة في الإرهاب الإخواني، على العلاقة مع غزة وبقية الفصائل الفلسطينية وإن لم تكن هذه الفصائل مقصودة بالمعنى الدقيق، لكن بالنتيجة ينسحب عليها موضوعياً.
وتعاني مصر أيضاً من ذيول وتبعات وتداعيات مرحلة ما قبل إخوانيي مصر، فقد برزت مراهنات كبيرة عليها بعد إسقاط حكم الإخوان، بالعودة إلى مرحلة عبد الناصر، وخال البعض السيسي نسخة محدثة لعبد الناصر، لكن عبد الناصر تدرج في الوصول إلى حالته الثورية، ولم يصطدم مع الغرب وأميركا مباشرة، وعمل مع كل من تيتو ونهرو وسيكارنو على تأسيس حركة عدم الانحياز، لكن الغرب دفعه إلى الانحياز أكثر نحو الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية، إذ حاول الغرب فرض رؤيته عليه ولما رفض كانت حرب السويس وكان التراجع عن بناء السد العالي فبناه السوفيات.
لكن التجريب والزمن كانا متاحين لعبد الناصر، فيما الوضع مختلف الآن، فحركة التاريخ وتقنيات الاتصال لم تعد تنتظر تأملات طويلة، والتغيرات والتقلبات متسارعة، وعليه مطلوب من مصر وضوح أكبر تجاه قضايا لا ترحم ، من ذلك إعادة النظر في معاهدة كامب ديفيد المذلة، وتطبيق الآية الكريمة ولا تزر وازرة وزر أخرى على الشعب الفلسطيني، وعدم أخذه بذنوب حماس وتفضيلها الانضواء تحت عباءة مكتب الإرشاد العالمي على الانضواء تحت سماء فلسطين.
ومطلوب من مصر الجديدة مواقف أكثر استقلالية، بغض النظر عن مساعداتٍ وعروض تبدو مغرية تقدم لها، فمصر على رغم العدد الكبير لشعبها، ثرية لو أحسن استغلال إمكاناتها المتاحة من دون فساد وهدر للمال العام، وإذا استثمرت طاقتها البشرية، ولو أحسن اختيار الأشقاء والأصدقاء الحقيقيون من دون منٍّ عليها وشروط ومن دون بيع القطاع العام والثروات والمواقف.
ومطلوب من مصر أيضاً، إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، والتنسيق معها ومع العراق واليمن وليبيا في محاربة الإرهاب، وفي التكامل الاقتصادي وكذلك الجزائر.
ليس مطلوباً منها أن تعلن حرباً على أميركا والغرب والكيان الصهيوني، فذلك حتماً ليس في طاقتها ولا في طاقة دولة عربية واحدة أو أكثر من دولة، ولكن المطلوب بناء علاقات متوازنة مع المعسكرات الدولية والاقتراب أكثر ولو قليلاً من الأطراف التي لا تتعارض مصالحها ومواقفها مع المصالح والمواقف المصرية في المديين المتوسط والاستراتيجي.
وعلى مصر التنبه إلى أن إسقاط الفكر التكفيري الإخوني الإرهابي الوهابي المتطرف بمسمياته كافةً، لا يكون بالطريقة التي مورس بها في عهديْ السادات ومبارك بالإفراط والتفريط، وإنما بالفكر والعقيدة الصحيحين، وبابتعاد النظام السياسي من التبعية للأجنبي، ومن الفساد والاستئثار بالسلطة وبيع الغاز والمقدرات، واتفاق العار مع تل أبيب بشكله الحالي على أقل تقدير.
ما زال العالم العربي يراهن على مصر الجديدة، بقيادتها الجديدة، فهل تخيب المراهنة أمل العرب، أم أن مصر كما يرى البعض ستخوض تجربة جديدة تخلّصها من ذيول مراحل السادات ومبارك والإخوان وتضعها على سكة السلامة الصحيحة التي تعيد لها وجهها العروبي الثوري الصحيح عزة وكرامة ودوراً واستقلالاً ناجزاً وتنمية وازدهاراً وتصالحاً مع الذات والمنطقة العربية؟