مكابدات شاعر (2)
} مصطفى بدوي/ المغرب
– 1 –
في ارتطام غمامتين كانت تؤجّلني الجهات وتقيس ما بي من الأعطاب ..
تعبت مراياي من مزقي والعابر النزقي يمحو ما تجلى من الأطياف.. يوقظ السبل اللصيقة بارتباك المجاز .
ههنا دجل أليف وشطرنج اللغة يوسع محنة المعنى ويرهقه بصنبور التآويل ..
ههنا عجل هلامي والسامري يروّضه على صيغة الكهنوت..
تعبت مراياي والنص ما اكتملت مفاصله
أو كلما تعبت خطاي والمدى غرقي عادت نبال التيه تلفحني؟
تلك أبراجه وهذه مدن مخفورة بالطلاسم والغبار..
يسقط الليل في نيزك الأرق الطويل
وتجثو على معاجمها الرياح ..
يضمّدني ويجرحني الكمان..
وما تعبت خطاي حين أدركني الصباح..!!!
– 2 –
وحين تدور به دورة الجمر يأبى أن يعود الى دمعة ناشفة ليلهبها بخيول الأمل ويلوك عنابها بالندم ..
هكذا يمتصّه نحل الفجيعة ليسلّمه للبحار القادمات إلى دمه ..
هكذا تهدهده موجة نازفة وهو يطوي اللظى تحت إبط الجنون..
ربما مرغته الغوايات حتى استوى على عرشه واجتبته القصائد في المساء البعيد..
ربما أنهكته المسافات حين شدّ الخطى إلى حتفه وارتخى في الغياب الأخير..
– 3 –
للنافذة عينان ولمنحدر الهسيس دم في المكان..
المكان غالباً ما يترجمه العجزة بالحنين أما العشاق فيسمّونه أرجوحة للغناء..
للنافذة منفذان وللشاعر أبراجه الأولى ومحبرة العذاب ..
لست أذكر بالتدقيق متى أسبلت على فوانيس رينيه شار جفوني وطيّرت الحلم إلى هايدلبيرغ لسبب لا يعلمه الا مجهول دمي .
كنت أحنّ إلى دفاتر غرامشي وأنا أقطع أراضي الله المنخفضة والليل يرشّني بالخدر الممهور بالأضواء.. هل كانت أسماء الشهداء مساء ذابلاً في قمطر الغياب؟
لم يكن في النافذة حيث أناجي الصمت سوى:
قمر وبقايا خراب..
– 4 –
الذيل والتكملة
يموت ببطء من احترقت أنامله من فرط انفجار قصيدة محشوة بالأمل
يموت ببطء من تكبّده الخسارات داء المفاصل وتهديه ارشيفاً كاملاً من الخيبات ولا يقوى على التأوه في حضور الغلاظ القساة !
يموت ببطء من عضّه الورد والهواء الفصيح وأسلمه للتزلج فوق (توليب) اليابسة !
يموت ببطء من لا يغرّد داخل القفص المسيّج بالحدود الفاصلة
.. ومن لا ينضوي في قوائم الميليشيات الزائفة!
يموت ببطء مَن لا يموت على هدي العاصفة!
– 5 –
تذكرة لاحتجاز الألم:
في الليلة النازحة من رذاذ الطفولة استوى على هدير هبوبها وانتشى بالألم!
في الليلة النازفة من جيبه الفارغ كان يفتّش عن تذكرة ضيّعها ذات تيه في غابة الأوهام!
في الليلة الناشفة من الحياة ارتجت الجدران حوله وهي تقرأ سورة الهرولة!
في الليلة النابحة بنداءات البعيد كان يصقل الريح بإزميل من تنهيدة في العراء ويسلّم أنفاسه لنجمة في المدى ساهرة !
في الليلة المائلة على كتف الجموح كان يسند أشلاءه للشرود ويُعزّي الصمت بالنازلة
– 6 –
فتى عيترون
لم تصلك الرسائل :
رسائل لوز الجنوب ..
ومريم يمخر موالها سحر الجنوب
تمرّ الليالي هناك على صهوة المستحيل
وفي الشوق تنقش سروك العالي
ترممه وفق إزميل الشجون
يراودك الطفل فيك
فتنأى بعيداً بك الأغنيات
الى ضيعة ضيّعتها غيمة في الطريق الى الـ (خليل).
تحن الى خطوة ابرقت في مروج الخيال
هناك حيث ينابيع (عامل) تستريح
على قمة الوجد المصفّى والمستحيل!
– 7 –
ليالي
في vlagstraat كنت أقشر الندم بإزميل الشجن
فيجهش الليل بميراث الحنين إلى نزق يعشش في أقاليم الغبار
وحدَها نجمة شاهدة
كانت تسامر نزهتي في العطش المزمجر في الضلوع
ليس سهواً ضلوعي في الغياب
ولا ما شدّ ناصيتي
فوق مائدة السراب..
كنت أمحو مخيّلتي مما تكدّس في جوانحها من الهذيان
وأرشق في هدوء موتها براجمات الفرح
كنت أبحث باختصار في ليلها
عن ممكنات الجنون..!!!