رواية «متاهات الأرواح المنسيّة» لبرهان شاوي ترصد تاريخ العنف السياسيّ والاجتماعيّ والجنسيّ في العراق
صـدرت رواية «متاهـة الأرواح المنسية» للشاعر والباحث الأكاديمي والكاتب العراقي بُرهـان شـاوي، وهي الرواية الثامنـة في تجربته السردية الروائية، والسادسة في سلسة المتاهات التي سبق أن صدر منها: «متاهـة آدم» و»متـاهـة حـواء» و»متـاهة قابيـل» و»متـاهـة الأشـباح» و»متاهـة إبليـس». صدرت روايته الجديدة في بيروت لدى منشورات «ضفاف» ومنشورات «الاختلاف». وتعتبر سلسلته الروائية التي صدرت تحت عنوان «المتاهات» أطول رواية كُتبت بالعربية حتى اليوم، فهي تمتد بشكل متواصل ومتماسك ومتداخل في ست روايات ضخمة، وفي نحو 2500 صفحة قطعاً كبيراً، وهي مفتوحة على متاهات جديدة.
رغم أن «المتاهات» ترصد تاريخ العنف السياسي والاجتماعي والجنسي في العراق منذ مطلع السبعينات إلى يومنا هذا، فإنها لا تكتفي بذلك بل تمتد كرحلة في الجغرافيا والتاريخ الثقافي البشري، حيث تتنوع البلدان وأماكن الحوادث، وتتداخل الأزمنة والعصور، وتتباين الأسئلة، محاولة مشاكسة المقدس ومواجهة اللغة لكشوفات الجسد بصراحة شديدة، وتفكيك آليات العنف السياسي والجسدي المرعب، سواء في فترة النظام الدكتاتوري أو في الفترة التي تلت سقوطه، زمن تطاحنت المذاهب والقوميات والإثنيات في صراع رهيب قاد البلاد إلى وادي الظلمات، ناهيك عن توغلها في الأسئلة التي تجسيد محنة الإنسان في هذا الوجود.
من أجواء الرواية هذا النص: «التفّت إليه وفي نظراتها سخرية مبطنة وعلى وجهها ابتسامة مُرّة وقالت:
– أتعرف يا سيد آدم.. لقد تعبت من اللعب بالكلمات والجمل الكبيرة.. ومصائد اللغة الناعمة.. والمبالغات في مديح الذات ونفخها بالتعميمات.. أنا امرأة متعبة.. امرأة تعرضت للكثير من المحن والمآسي.. وحياتي بسيطة مثل الماء.. ومعقدة مثل السماء.. أبحث عن مكانٍ لا أحتاج فيه لمساعدة أحد.. أريد الاستقرار في بلد أنتمي إليه روحياً.. وأعرف لغته على الأقل.. لست في وضع نفسي يتيح لي تعلم لغات جديدة.. ثم قل لي: لماذا يجب علي أن أفسّر كل شيء؟ وأن أحلل كل شيء؟ وأن أبحث عن الدوافع الغامضة لكل شيء؟ هذا الأمر يجعل الحياة جحيماً.. يجعلها دوامة بلا قرار..
أنا امرأة وحيدة.. أحس وكأنني في غابة تلتف الأفاعي على أغصانها الكثيفة.. أحس بالتفاهة تحاصرني.. تخنقني.. حياتي صارت بلا معنى بعد موت ابني الوحيد آدم.. صرتُ أخاف من كل شيء.. أخاف المرتفعات.. أخاف الحافات النائتة والحادة.. حينما أقف على حافة الأشياء وأنظر إلى أعماق الهاوية أشعر بالرعب.. لا أقصد الحافات الجبلية أو حافات الأسطح والبنايات فقط.. فالحافات أحيانا ما تكون تجارب ومراحل في الحياة.. قد نخطو عندها خطوة عمياء واحدة حتى ترانا نسقط في أعماق الهاوية..!
ليس ارتفاع الحافة هو المهم هنا وإنما هول السقطة نفسها.. نعم.. صحيح أنني هنا في مجتمع أوروبي متحضر.. لكنني خائفة.. لا أشعر بالأمان هنا.. أعتقد أنني لم أرَ شيئاً مهماً.. فكل هذا الترف والتقدم الاجتماعي والحضاري لا يساوي لحظة يأس وخوف أمر بها ليلاً.. أريد أن أرحل بعيداً عن هنا..».
سبق لبرهان شاوي ان أصدر قبل سلسة المتاهات روايتين هما «الجحيم المقدس» و»مشرحة بغداد»، كما أصدر نحو ثلاثين كتاباً في مختلف صنوف الأدب والفن، وله سبع مجموعات شعرية هي: «مرائي الطوطم»، «رماد المجوسي»، «ضوء أسود»، «تراب الشمس»، «رماد القمر»، «شموع للسيدة السومرية»، و»خطوات الروح». وترجم لشعراء روس وأصدر في ذلك «مختارات شعرية ونثرية لأوسيب ماندلشتنا»، «مختارات شعرية ونثرية ليوسف برودسكي»، «قداس جنائزي وقصائد أخرى لآنا آخماتوفا» و»قصائد لفلاديمير فيسوتسكي».
كما أنجز كتباً فكرية ونقدية ودراسات منها: «وهم الحرية» و»عن الإبداع وسلوك المبدع» و»أزمة الثقافة الفاشية في العراق». أما في مجال الفن فله: «جماليات اللغة السينمائية»، «سحر السينما»، «مدخل إلى السينما الكردية في العراق»، «لغة الفن التشكيلي»، «تمارين لياقة عمل الممثل الجسدية». وفي مجال الإعلام: «الدعاية والاتصال الجماهيري عبر التاريخ المجلد الأول: حضارات الشرق القديم»، «المدخل إلى الاتصال الجماهيري»، «نظريات التأثير الإعلامي». ولديه كتب ومخطوطات أخرى.