جامعة الدول العربية و سقوط ورقة التين*
يكتبها الياس عشي
دخل الصراع على سورية الطبيعيّة مرحلة اللارجوع، ونحن أمام ثلاثة مشاهد:
الأول، وهو مشهد استعماري: تفتيت سورية الطبيعية إلى إمارات صغيرة متناحرة وضعيفة وعاجزة عن مواجهة الحلم التركي في إعادة نظام الولاية، وإحياء الفرمانات الصادرة عن الباب العالي أو الصدر الأعظم.
الثاني، وهو مشهد توراتي: إعلان قيام دولة “إسرائيل الكبرى ـ من الفرات إلى النيل”، وإغلاق ملف المؤتمر اليهودي الذي انعقد في “بال” عام 1897 والذي كانت “إسرائيل الكبرى” البند الوحيد على جدول أعماله.
الثالث، وهو المشهد النقيض: الإصرار على مواجهة هذين المخطّطين بخطّة معاكسة تسعى لإعلان “سورية الكبرى” كخطوة أساس لقيام وحدة العالم العربي.
وأمام هذه المشاهد الثلاثة بدأ التناقض يتجوّل في أروقة جامعة الدول العربية، وبدأ التردّد يأخذ شكل هزيمة أخلاقية لم نرَ ما يشابهها حتى في عصور الانحطاط، فتعرّى العرب من آخر ورقة تين كانت تخفي عيوبهم، فباعوا فلسطين، وتخلَّوا عن القدس، ولولا بعض الحياء لزاروا حائط المبكى كما يفعل أسيادهم، وهم اليوم جادون في بيع سورية إلى من يهمّه الأمر.
ولا أستثني أحداً، حتى دول الجوار التي رفضت تطبيق العقوبات الاقتصادية على سورية، إنما فعلت ذلك حمايةً لاقتصادها هي. لم تسجّل دولة عربية واحدة موقفاً شجاعاً أمام وقاحة دول تبنّت بصراحة المؤامرة على سورية، وأعلنت استعدادها لتسليح المقاتلين.. وهذا ما فعلته.
وأكثر.. أقامت للسوريين النازحين خياماً، وسمّتهم لاجئين، ونسيت أنّ سورية لم ترفع خيمة واحدة لمن نزحوا إليها، ولم تصنّفهم كلاجئين.
لم تنسحب دولة عربية واحدة في أثناء اجتماعات أعضاء الجامعة، في حين كنت أنتظر من بعض الدول التي وقفت سورية إلى جانبها في الأزمات الكبرى، أن تعلّق عضويتها أو تعلن انسحابها من هذه المؤسسة الملكية والإماراتية والمشيخيّة الغارقة في الأمٌيّة والسذاجة والوقاحة.
ولكن أنٌى لها أن تُقدمَ، والإقدام صفة العمالقة، فيما “الربيع الأميركي” احتلّ كلّ العواصم العربية، ولم تبقَ سوى الشام تتصدّر لائحة الشرف، وتُعلن أنّ سورية ستبقى موحّدة، وأنّ الحدود من الفرات إلى النيل هي حدود العالم العربي، وأنّ زمن الأحادية الأميركية قد ولّى، وأن الشعوب الحيّة لا تقاس بعدد سكانها، ولا بترساناتها الحربية، ولا بتواريخها الاستعمارية، بل تقاس بقدرتها على المواجهة والتحدّي والموت في سبيل وطنها، فموت الياسمين، كما قلت مرّة، قدر لتبقى السماء معطرة.
لنكتب على كلّ جدران المدن العربية المخلّعة الأبواب ما قاله أحدهم:
“لو بقي حرٌّ واحد لما سقطت المدينة”.
* من كتابي “الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأمريكية”