الوطن

قتلتنا المجاملات الكاذبة

} السيد سامي خضرا

من الأمور الخطرة في المجتمعات الواحدة وحتى الصغيرة منها أن يسود التكاذب والرياء والمُتكلِّمون بلسانين والناظرون بوجهين الذين يُضلِّلون المُخاطَبين على الرغم من عِلمهم أنهم يتعرّضون لعملية تضليل ثم يقبلون بها ويبتسمون!

هذه هي مُجْمل حالنا في لبنان:

فتارةً تنكشف الأمور على حقيقتها أو على نسبةٍ منها بحسب تكشير الأنياب والظروف المحيطة وجرعات القوة الحقيقية منها والموهومة، فترى البعض يكشف أوراقه بكلّ صلافةٍ ووقاحة ويعتبر نفسه من سُلالةٍ لا ثانيَ لها، لذا هو فريد عن كلّ البشر فيخترع لذلك تاريخاً وأكاذيب وأساطير وتزويرات وأوهاماً وشخصيات خيالية أو عادية يُطلِق عليها ألقاباً بحسب رغباته فيجعلهم أبطالاً وطنيين أو حكماء وفلاسفة ساهموا في صنع تاريخ البشرية وشرعة حقوق الإنسان!

وكلنا يعلم أن جزءاً كبيراً من هذه التُّرَّهات لا واقع لها إنما هي خليط من سيناريو مُتخيَّل وتضخيمٌ وتسمينٌ مَرَضيٌ لا يُغني عن صحة!

وتارةً أخرى تفرض الظروف أو المصلحة «القبول» أو التطنيش من أجلِ أن يكون للتضليل أبٌ وأمّ فنسمع عن «قَبول الرأي الآخر والعيش المشترك والصيغة الفريدة والضرورة الحضارية التي يجب الحفاظ عليها والنموذج غير المسبوق ولبنان الرسالة والتساوي بين الأديان…» إلى آخر ما هنالك من جُمل باتت مُستنزَفةً أو مُمِلةً أو مَعلوكةً إلى حد القرف!

وهذا المنسوب بين ارتفاع نسبة التكاذب وخفضها خاضعٌ للتطورات والظروف والتحالفات ولكنه على كلّ حال لا يبني أوطاناً، إنما هو فترةُ هدنةٍ تستمرّ أشهراً أو سنوات في أحسن الأحوال، ولعلها لم تبلغ مرة السنوات العشر منذ تأسيس ذاك المسمّى «لبنان الكبير» والذي يُعتبر عند البعض أنّ صاحب فكرته ومؤسِّسَه وفارضه وراعيه هو إلهٌ يُعبد، لذلك نرى مظاهر التكريم والتبجيل لقتلاه بل يصل ذلك إلى مرحلة القداسة لذا يُصرّ البعض في خطوةٍ لا وجود لها على سطح الكرة الأرضية أن يُقيم صلواتٍ في كلّ عام في زمنٍ مُعيَّن ثابت تبجيلاً وتعظيماً للمجرمين الذين نهبوا بلادنا وقتلوا آباءنا واستباحوا أرضنا وداسوا كرامتنا وعبثوا بأمننا ومستقبلنا.. وما زالوا يفعلون!

ولَعَمري أنّ هذا عَجَبٌ لا تنقضي أسراره.

فهذه مأساةُ لبنان المستمرة التي تخبو أحياناً وتطفو أحياناً كثيرة وهي بِلا شك سببٌ رئيسيٌ لِضَعْضعة الواقع اللبناني الإِجتماعي والإِقتصادي والأمني.

لكن ماذا عساك أن تفعل إذا كانت أكثرية تظنّ أنها بذلك تُؤمِّن استِمرارية «اللُبنان» الذي يظنونَ أنه مُفصَّل على قياسهم ومصالحهم!

وهل تُبنى الأوطان والمجتمعات بنفوس غارقة بالأكاذيب والأضاليل والأوهام والأساطير!

أما آن الأوان لأهل هذا «اللُبنان» أن يستيقظوا جميعاً أو أكثرهم لِيَصْدُقوا مع أنفسهم ويُصارحوها حفاظاً على أنفسهم؟!

إنّ النفوس المريضة التي تأبى أن تَتَعالج أو تُعالِج نفسها عندما يستفحل المرض سوف تكون أول مَن يدفع أثمانه المُميتة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى