النازح السوريّ بين البرد والنار!
د. كلود عطية*
حقّ الصراع هو حقّ التقدّم فلسنا بمتنازلين عن هذا الحقّ للذين يبشّروننا بالسلام ويهيّئون الحرب. (سعاده)
ومن أجل الحق، لا بدّ من القول، إنّ النظرية العلمية الوحيدة التي تفسّر هذا الحقد والعنصرية والاستغلال بحق النازحين السوريين، هي نظرية الأخلاق المفقودة؛ حيث لا تنفع كلّ النظريات الأخرى وكلّ المقاربات العلمية أمام فقدان الإنسان للإنسانية.. وبالتالي لا فرق بين نار الحرب التي تحرق الأخضر واليابس وتشوّه البلاد، وبين نار تحرق خيمة فوق رؤوس الأطفال والنساء… أما الأخطر من هذا وذاك… فهو مَن افتعل الحرب هنا، ومن زرع المخيمات هناك! وإنْ انتهت الحرب فلن تنتهي حرب الاستعباد والاستغلال.. حيث يكون التفاوض على البشر مضنياً أكثر من التفاوض على إعادة البناء والحجر.
في هذا الإطار، لا يتحمّل المسؤولية إلا من باع الوطن بالمال والوعود الوهمية بالسلطة، أو مَن كان رهين التعصّب والطائفية وكان طعماً سهلاً للبرمجة على التكفير والإرهاب والقتل باسم الدين أو الدولارات أو الحوريات…
هي فلسفة صناعة القنابل البشريّة وزرعها في حقول الألغام.. حيث يكون طريق الموت محتماً.. في أول الحرب أو في نهايتها، في تفجير إرهابي أو في حريق مخيم.. وهنا لا يدفع الثمن إلا الأطفال الأبرياء حيث لا ترحم الأرض ولا ترحم السماء..
في لبنان، مخيمات تحرق ومخيمات تغرق.. وملايين الدولارات تتبخّر على استمارات ومعلومات وسيارات فخمة لا يقودها إلا مَن يتحدث بلغة الدولار الأميركي.. هي حفنة من الدولارات المسجونة في بطاقات النازحين ومساعدات ومشاريع ولقاءات ومؤتمرات.. علّ الخيمة تتحوّل آلاف الخيمات ومئات المخيمات…
في الملف السياسيّ / الأخلاقي، نبدأ بقول لأنطون سعاده: كلّ نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إنّ الأخلاق هي في صميم كلّ نظام يمكن أن يُكتب له أن يبقى.
وبالتالي السؤال الإشكالي هنا؛ كيف تعاملت الحكومات اللبنانية المتعاقبة أخلاقياً وسياسياً مع ملف النازحين السوريين؟ هذا الملف الذي لا يبشر إلا بالمزيد من السرقات والاستغلال والتبعية والفساد.. من التربية إلى الشؤون الاجتماعية، فالمنظمات المحلية والدولية والبلديات.. وشراكات وصلت حدودها لإقامة إمارات للسفارات في القرى والبلدات.
من هذا المنطلق، نحن أمام كارثة إنسانية أخلاقية مفتعلة من الخارج والداخل لتحقيق مآرب وأهداف استراتيجية لا تمتّ الى الوطنية بأية صلة.. هدفها استغلال وجع الأطفال وأنين الأمهات وتشرّد الآباء في المزارع والحقول وفي أعمال الصيانة والطرقات من جهة، والضغط في اتجاه تغيير السياسات وفرض الخوّات الأمنية والمعلوماتية وتجميع المزيد من المعطيات الاستخباريّة التي تؤسّس لمراحل جديدة ومستمرّة من الخرق الأمني وزرع الفوضى من جهة أخرى!
أما في الإطار الإنساني.. علنا نختصر معاناة النازحين بحادثتين: الحادثة الأولى؛ حرق مخيم بحنين للنازحين السوريين.. حيث اضطر بعض اللاجئين لرمي أطفالهم من فوق السور المحيط بالمخيم خوفاً من ألسنة النار والأصوات القوية الناجمة عن انفجار قوارير الغاز!
أما الحادثة الثانية؛ فهي حادثة غرق المخيمات في المياه التي سبّبتها الأمطار، حيث باتت آلاف العوائل مهدّدة بالتشرّد بالعراء!
والنتيجة الحتمية لذلك، انّ النازح السوري في قلب العاصفة بين البرد والنار، لا يملك إلا خيار الصبر والانتظار أن تتخذ الحكومة اللبنانية القرار بالعودة الى النقاش السياسيّ مع الجهات المختصة، وانّ الحلّ النهائي لهذه الأزمة المفتعلة المتراكمة المرتهنة، لا يكون ولا يتمّ بالتواصل الأحادي مع من سبّب الحرب وموّل الإرهاب وشرّد الملايين.. أو مع المفوضية العليا للاجئين.. بل بالتواصل المباشر مع الحكومة الشاميّة.. وإلا سيبقى الملف في الصندوق الأسود للولايات المتحدة الأميركية ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تنسج من مخيلة العدو الإسرائيلي أحلام التوطين للفلسطينيين والسوريين.. وهم لا يدركون أننا لا نعترف بكلمة توطين.. فهم متجذرون في هذه البلاد منذ آلاف السنين.. وأنّ حقهم فقط في العودة الى ممتلكاتهم وأراضيهم وديارهم الأصلية، التي شرّدوا منها بشكل قسريّ…
ننهي بقول لجبران:
«يا أخي السوري، أنت مصلوبٌ ولكن على صدري. والمسامير التي تثقب كفّيك وقدميك تخترق حجاب قلبي. وغداً، إذا ما مرّ عابر طريق بهذه الجلجلة، لن يميّز بين قطرات دمك وقطرات دمي، بل يسير في طريقه قائلاً: ههنا صُلب رجل واحد» (جبران خليل جبران ــ نصوص خارج المجموعة ــ تشرين الأول 1920).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عميد التنمية الإداريّة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.