روبرت مالي المرشح لتولي ملف إيران في إدارة بايدن: العودة للتفاهم النووي مصلحة مشتركة من موقع الخلاف
إيران ليست معزولة بل تتمتع بعلاقات جيدة مع أوروبا وروسيا والصين... ونعم ستكون هناك عودة للدبلوماسية الإيرانية الأميركية
قبل ثلاثة شهور أجرت مجلة “لوبوان” الفرنسية حواراً مع روبرت مالي المرشح الحالي للرئيس الأميركي جو بايدن لتولي الملف الإيراني، وروبرت مالي كان أحد المفاوضين على الاتفاق النووي في ادارة باراك أوباما في عام 2015، وتوقع مالي في الحوار انّ يتولى توني بلينكن (الذي سُمّي وزيراً للخارجية) منصباً حساساً يرجح ان يكون وزارة الخارجية في جواب على سؤال عن ترجيحاته للتسميات بقوله، توني بلينكين هو بالتأكيد أحد الأشخاص الذين سيوجدون في منصب مهمّ في إدارة الرئيس المنتخب. توني فرنكوفوني مثلي. ذهبنا إلى المدرسة الثانوية معاً عندما كنا في فرنسا. لذلك فهو بطريقة ما انتصار للغة الفرنسية. بالنسبة للأسماء الأخرى، سنكتشف ذلك قريباً،.
ما رسم صورة براغماتية لسياسة بايدن الخارجية، مشيراً الى انّ بايدن كان ضدّ حرب الخليج الأولى، والثانية. ومع ذلك كان يؤيد الحرب في البلقان، لكنه عارض التدخل في ليبيا. وتابع: ما يمكنني قوله هو أنه لا يضع يده على الزناد. لن يؤيد الخيار العسكري على الفور. جو بايدن شخص واقعي وعملي للغاية. إنه لا يشارك باراك أوباما في التفاؤل والرؤية الطموحة في أيامه الأولى. لقد أصيب أوباما بخيبة أمل مع مرور الوقت. بايدن يبدأ من حيث توقف سلفه. بهذا المعنى، ستكون سياسته أشبه بسياسة ولاية أوباما الثانية.
عن العودة للإتفاق النووي مع إيران قال مالي، في هذا الصدد، نوايا الرئيس المنتخب واضحة. كما قال توني بلينكن بالفعل، بالإضافة إلى البرنامج الديمقراطي بأكمله، يعتزم جو بايدن الانضمام إلى الاتفاقية النووية الإيرانية (JCPOA) بشرط أن تعود إيران إلى الامتثال لهذا النص… وتقول إيران الشيء نفسه، أيّ أنّ طهران مستعدة للعودة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة إذا فعلت الولايات المتحدة الشيء نفسه. كلا الطرفين له مصلحة في ذلك. تريد الجمهورية الإسلامية تهدئة اقتصادية، وإدارة بايدن لا تريد أزمة أخرى مع إيران. بداهة، تعني قوانين الجاذبية السياسية أنّ البلدين من المحتمل أن يتحركا في نفس الاتجاه في هذه النقطة، كذلك فإنّ إيران تطالب بتعويضات مالية لأنها لم تستفد من رفع العقوبات على المستوى الاقتصادي. ومع ذلك، أجد أنه ستكون هناك صعوبة فى إدارة بايدن لتقبّل هذا. ثم هناك مقاربات مختلفة لتسلسل العودة الأميركية والإيرانية بموجب الاتفاق النووي وسيتعيّن التوفيق بينهما. بالإضافة إلى ذلك، أقامت إدارة ترامب جداراً من العقوبات ضدّ إيران، وما زالت تفعل ذلك وهي في طريقها للخروج. من المسلم به أنّ الرئيس المنتخب يمكنه إلغاءها، لكن هذه الإجراءات تهدف إلى جعل العودة الأميركية صعبة سياسياً في خطة العمل الشاملة المشتركة. على الجانب الإيراني، تخاطر الانتخابات الرئاسية المقبلة بجعل المشهد السياسي الداخلي أكثر انقساماً وأقلّ احتمالية لقبول حلّ وسط. وتثبت تجربة ترامب للإيرانيين أنّ التزامات أحد الرؤساء يمكن محوها بسهولة من قبل رئيس آخر، وبالتالي انعدام الثقة.
ولكن على الرغم من كلّ هذه الصعوبات، يبدو لي أنّ كلّ جانب سيكسب من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أكثر من العكس. في الواقع لا يوجد بديل مرضٍ حقيقي.
يجيب مالي على سؤال، هل سنشهد إذن عودة إلى عهد أوباما مقابل إيران؟ وماذا تعني نهاية عزلة الجمهورية الإسلامية في العالم ؟ فيقول، بادئ ذي بدء، إيران ليست معزولة. تتمتع هذه الدولة بعلاقات جيدة مع أوروبا وروسيا والصين. من ناحية أخرى، نعم، ستكون هناك عودة للدبلوماسية الإيرانية الأميركية. سيكون هذا بالتأكيد نهاية سياسة العقوبات القصوى ضدّ إيران، وأتصوّر، نهاية أفعال إيران الإقليمية الأكثر استفزازاً. هل ستكون العلاقات جيدة؟ لا. هل سيكون هناك تطبيع للعلاقات بين البلدين؟ أشكّ. لكن على الأقلّ سنشهد استقراراً في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وربما مناقشات حول مواضيع أخرى غير النووية.
أليس هذا سابقاً لأوانه، في ظلّ انعدام الثقة التامّ بين البلدين بعد انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة؟
في الواقع، هناك افتقار تامّ للثقة من جانب الإيرانيين، الذين لديهم قناعة، وليست بالضرورة غير شرعية، بأنّ الرئيس الأميركي القادم سيسرع في تمزيق الاتفاقية التي كان جو بايدن قد أعاد إحياءها. قلت في وقت سابق إنّ إدارة ترامب تسعى لبناء جدار من العقوبات لمنع خليفته من الانضمام إلى الصفقة. وبالتالي، سيتعيّن على إدارة بايدن بناء جدار دبلوماسي قوي بما فيه الكفاية بحيث لا يتراجع أحد عن خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى. الدرس الذي يمكن أن نتعلّمه من السنوات الأربع الماضية هو أننا إذا كنا نريد حقاً صفقة قوية يمكن أن تستمرّ، فإنها بحاجة إلى تغطية مواضيع أخرى ومعالجة الدوافع الأعمق للتوترات الإيرانية الأميركية. نوع من “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تتعامل مع الأنشطة العدوانية الإيرانية في المنطقة والحصار الأميركي على الجمهورية الإسلامية (العقوبات الأولية التي تستهدف طهران بالفعل بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان).
إعادة تعريف العلاقة مع السعودية
عن ماذا سيتغيّر فى علاقة بايدن بالسعودية؟ قال مالي أعتقد أنّ الرئيس المنتخب سيكون لديه نهج مختلف لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك خلاف، أو حتى أزمة بالضرورة، في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الرياض شريك لن تخذله واشنطن. هناك ببساطة استعداد لإعادة تعريف العلاقة بمعنى أكثر أهمية مما كانت عليه في السنوات الأربع الماضية، بحيث تكون أكثر انسجاماً مع المصالح الأميركية.
حول العلاقة بكيان الاحتلال يقول مالي، ستكون هناك بعض التغييرات الكبيرة، مثل التخلي عن خطة ترامب للسلام، وموقف أكثر صرامة تجاه المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واستئناف العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين كما سبق أن عبّر عنها فريق الرئيس المنتخب. لكنني أشك في وجود أيّ اضطراب كبير. من المهمّ معرفة أنّ جو بايدن لا يعلق آمالاً كبيرة على ملف الشرق الأوسط. إنه لا يرى أنّ حلاً لـ “النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني” أمر محتمل، ومن غير المرجح أن يرغب في تكريس جهود الولايات المتحدة ذات الأولوية لذلك.
عن تركيا يقول مالي، إنها قضية معقدة للغاية. صحيح أنّ الرئيس المنتخب تحدث بقسوة عن تركيا. إنه يشعر بأنه قريب جداً من الأكراد، حتى لو حافظ، على عكس ما قد يعتقده المرء، على علاقات جيدة مع رجب طيب أردوغان. يعود هذا على الأقلّ إلى وقت كان فيه نائباً للرئيس، عندما كلفه باراك أوباما بالعمل كمحاور مع الرئيس التركي. وبالتالي، سيحاول جو بايدن إظهار تضامن أكبر مع الأكراد السوريين أكثر من ترامب، الأمر الذي سيعقد علاقته مع تركيا، بينما يسعى للتوصل إلى اتفاق مع أردوغان، ويضيف إلى جانب المسألة الكردية، هناك العديد من الموضوعات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة، على سبيل المثال، حيازة تركيا لأنظمة “أس 400” الروسية المضادة للصواريخ مما يهدّد عمل الناتو. هل سيكون بايدن أكثر صرامة على أردوغان؟ وتركيا اليوم ليست مثل عام 2017. تنتهج أنقرة سياسة إقليمية ديناميكية وحتى عدوانية في سورية وليبيا والبحر الأبيض المتوسط وحتى ناغورنو كاراباخ. تثير هذه القضية الجدل داخل فريق بايدن. هناك، من ناحية، أشخاص أقوياء، ينتقدون بشدة تركيا، ومن ناحية أخرى، هناك من يعتقدون أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع تحمّل أزمة مع الحليف المهمّ لتركيا وهو حلف الناتو. وجود هذين الاتجاهين لا يعنى بالضرورة التناقض، تذكر أنّ الرئيس المنتخب كان حاضراً عندما اعتمدت الولايات المتحدة على القوات الكردية السورية لمحاربة داعش. وهو لن ينسى ذلك. المصداقية والولاء قيم يؤمن بها بعمق. لن يرغب في خيانة حلفاء الولايات المتحدة. أما في ما يتعلق بالمسألة التركية، سيتعيّن عليه بالتالي أن يتصرف كعامل على حبل مشدود وإيجاد التوازن الصحيح.
لعدم المبالغة في فكرة الانسحاب
من الشرق الأوسط
حول مستقبل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يقول مالي، لا ينبغي المبالغة في فكرة الانسحاب هذه: يوجد الآن عدد أكبر من الجنود الأميركيين في المنطقة مما كان عليه في عام 2017. والآن، من الصحيح أنّ هناك إجماعاً واسع النطاق إلى حدّ ما في الولايات المتحدة على أن استثمرت الدولة أكثر من اللازم في الشرق الأوسط دون أن تستفيد حقاً من العوائد المرضية: سواء في العراق وأفغانستان وليبيا. لقد سئم الشعب الأميركي من التدخلات الأميركية في المنطقة. إذا كان بإمكان جو بايدن السعي لتعديل طرائق مغادرة القوات من أفغانستان، على سبيل المثال، فمن المحتمل ألا يتغيّر المسار الأساسي: تتجه الولايات المتحدة على المدى الطويل نحو موقف أقلّ كثافة في المنطقة. وهذا صحيح تماماً لأنّ الرئيس المنتخب ستكون له العديد من الأولويات الأخرى في ولايته. على الصعيد الدولي، سيتعيّن عليه معالجة قضية الصين وقضية تغيّر المناخ. وداخل البلاد، سيتعيّن عليه إدارة وباء Covid-19 والأزمة الاقتصادية الناتجة. إلى جانب ذلك، قد تكون مسألة الاستثمار الأميركي في الشرق الأوسط مصدر إلهاء في بعض الأحيان.