العقل والحوار وقبول الآخر في الإسلام
علي البقاعي
كلّما تمعنت في قراءة الكتب العلمية والتاريخية التي تعنى بشؤون الديانات ازددت يقيناً بأن هذه الديانات أنزلت لتشريف الحياة وخدمتها وبأنّ الخالق وهب العقل للإنسان المتمثل بآدم بعد أن «سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه» ليعطي الحياة البشرية قيمتها.
لهؤلاء الذين يريدون أن يستأثروا بديانات الله السماوية، خاصة الإسلام الذي بشر به محمد إبن عبدالله، الرسول العربي، وللذين يريدون أن يفرضوا مفاهيمهم على آخرين من باقي الديانات والمذاهب والأقوام أود إعادة تذكيرهم ببعض الحقائق عن الإسلام مثلما وردت في كتب الرواة والمؤرخين وتعبر عن مدى عمق رسالة النبي محمد إلى العالم وإنسانيتها، ومدى تمجيد العقل وإعطائه الدور الذي يستحق، ومدى قبوله للآخر بقوله «العقل أصل ديني».
للأمانة الأدبية، استعنت ببعض من مقدمة كتاب «مقام العقل عند العرب» للكاتب الفلسطيني الراحل قدري حافظ طوقان، الذي كتبه في منتصف القرن الماضي، ويدهش بكمية المعلومات ونوعيتها، التي دوّنها عن دور العقل وقيمته في الدين الإسلامي، خاصة لدى المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين، والذي يحاول أصحاب الفكر الأسود في مملكة الظلام وأتباعهم طمسه.
يقول الكاتب: «إن الرسول العربي يرى أن الدين والحياء من مستلزمات العقل فلا يكونان إلاّ مع العقل ولا يسيران إلاّ في كنفه. وفي الأثر: إن جبريل أتى آدم عليه السلام فقال له :إني أتيتك بثلاث فاختر واحدة منه. قال : وما هي يا جبريل؟ قال: العقل والدين والحياء. قال قد اخترت العقل. فخرج جبريل إلى الدين والحياء فقال: إرجعا فقد اختار عليكما العقل. فقالا: أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان. وهناك حديث ينسب لإبن عباس وهو من رواة السيرة الموثوقين عن الرسول العربي حيث يقول عن الرسول العربي إنه قال» لكل شيء آلة وعدة، وإن آلة المؤمن العقل، ولكل شيء مطية، ومطية المرء العقل، ولكل شيء دعامة ودعامة الدين العقل، ولكل قوم غاية، وغاية العباد العقل، ولكل قوم داع، وداع العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة، وبضاعة المجتهدين العقل، ولكل أهل بيت قيم، وقيم بيوت الصادقين العقل، ولكل خراب عمارة، وعمارة الآخرة العقل، ولكل أمرئ عقب ينسب إليه ويذكر به، وعقب الصديقين الذين ينسبون إليه ويذكرون به العقل، ولكل سفر فسطاط، وفسطاط المؤمنين العقل».
فهلاّ قرأ هؤلاء الذين يدعون «حماية الإسلام» ما يقوله المبشر الأول ومفكره الأول وحامل الرسالة إلى العالمين بإسم «رب العالمين» عن دور العقل فيه. هلا أيقنوا أن لغيرهم الحق في الإيمان والتفكير والصلاة والعمل والزواج والضحك كما يشاؤون لا كما يشاء هؤلاء، وأن الآخر صاحب فكر وحضارة وتراث مثلهم بإرادة آلهية، وأن الدين هو رسالة كونية أنزلت في الإنجيل والقرآن وسائر الكتب لأجل سعادة البشر ورفاهيتهم، وأن قبول الآخر لا يعني أبداً أن يلغي نفسه لأجلكهم ويلغي هويته وثقافته وإيمانه الديني لأنهم يريدون ذلك بحسب مفهومهم.
ألم يقرأوا في القرآن الكريم الآية التي تقول: «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا». والآية التي تقول: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك».
بل ماذا يقول هؤلاء الذين يكفرون باقي البشر عن أئمة المذاهب الفقهية الإسلامية الذين سبقوهم بقرون كثيرة وهل يعودون إلى ما قاله الإمام الشافعي عن قبول الآخر وهو يقول: «رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
آن الأوان أن نتخلص من أحادية التفكير وفرض فهم معين للحياة والدين والقيم والمثل، إذ ليس من العيب أن نختلف، بل العيب أن نصر على تغيير الآخر بالقوة وفرض هيمنتنا وفهمنا للحياة عليه بالقوة، ويا ليتها قوة الإقناع بل قوة البطش والتنكيل والقتل وقطع الرقاب وبقر البطون وأكل الأكباد، وهذا بالتأكيد ليست من قيم أو تعاليم أو «خير أمة أرسلت للناس».
فليعد هؤلاء الذين يؤيدون فرض مفاهيمهم ومفهومهم للدين إلى الأية الكريمة التي تقول: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».
خاتمة: آمن الزعيم أنطون سعاده بأن «العقل هو الشرع الأعلى في الإنسان» وهذا قول سديد لإنسان اغتالوه لأنه آمن بحقيقة هي حق أمته وشعبه بحياة حرة كريمة مستخدماً العقل والمنطق ليريح شعبه من «الاقتتال على السماء الذي سيفقدهم الأرض».