«السبع تنعام» بداية خلاص الوطن والشعب…
} علي بدر الدين
يُحكى أنّ طائرة سقطت في إحدى الأدغال، بينما كانت متجهة إلى دولة أفريقية، ولم ينج من ركابها الكثر، سوى ثلاثة ركاب، شاءت الصدف والأقدار، أن يكونوا من ثلاث جنسيات، أميركية وفرنسية ولبنانية، وقد هاجمتهم إحدى القبائل، وإقتادتهم إلى شيخ القبيلة المعروفة بقبيلة «جهنم الحمرا «. طلب الأميركي من الشيخ أن يسمح له باتصال هاتفي بذويه ليطمئنهم أنه بخير، وبعد إنهاء اتصاله، دفع ألف دولار كلفة التخابر، وجاء دور الفرنسي الذي دفع خمسماية يورو، وأخيراً اللبناني الذي تحدث كثيراً كعادته، واستغرق وقتاً إضافياً، وعند الحساب دفع دولاراً واحداً على سعر صرف السوق السوداء، أيّ تسعة آلاف ليرة. فاعترض الأميركي والفرنسي واحتجّا على تمييز اللبناني عنهما، مع أنّ مكالمته استغرقت وقتاً اطول، فردّ عليهما الشيخ بحزم وحسم، وقال لهما، إنّ مكالمتكما من «جهنم الحمرا « إلى أميركا وفرنسا تعتبر دولية، اما مكالمة اللبناني من «جهنم الحمرا «إلى لبنان فهي داخلية.
نعم وبكلّ «فخر واعتزاز» فإنّ لبنان بات فعلياً في جهنّم، وهي المرة الأولى التي يتفوّق فيها على الأميركي والفرنسي، ويدفعهما إلى الاحتجاج عليه، وكانا يتمنيان في تلك اللحظة أن يكونا مكانه، ليستفيدا من عرض شيخ القبيلة الذي عدل وأنصف اللبناني وأشفق عليه، في حين أنّ شيوخ القبائل في لبنان، حكموه بالظلم والاستبداد والفساد والنهب والتحاصص، وما زالوا يمعنون في سياساتهم المعتمدة منذ عقود طويلة، حتى بلوغه خط النهاية والدخول مباشرة إلى جهنّم وفوقها بئس المصير، وقد خدموه لعلاقتهم المميّزة مع شيخ قبيلة «جهنم الحمرا» الذي شاء القدر أن يقع الراكب اللبناني في ملكه، لأنه لو وقع في ممالك ومزارع شيوخ القبائل في بلده، لكانوا ألحقوا فيه الذلّ والهوان والتعذيب والحرمان، وأنزلوا «رحمتهم» على الأميركي والفرنسي.
في الوقائع اللبنانية التي يشاهدها الشعب، ويعايش فصولها المدمّرة والمفزعة إلى حدّ القتل والتفقير والتجويع والتشريد والتهجير من وطنه، والذي قد يتحوّل إلى أطلال، أو مزار، أو ذكرى جميلة يحملها معه في حله وترحاله، كما فعل الذين سبقوه وهربوا من الحروب والفتن والانفجارات التي حوّلته الى «جهنم» متلوّنة لا يمكن العيش فيها، إلا لمن حصّن نفسه بالأقنعة و»الأغطية» والخطوط الحمر والنفوذ والقوة والتشبيح والسلطة والمال المنهوب والمهرّب.
ولأنّ «الشيء بالشيء يذكر» قيل إنّ أحدهم وجه سؤالاً إلى نائب من الأثرياء فوق العادة: «لماذا لا تساعد المواطنين وأنت في كلّ هذا الثراء؟» فأجابه «لأننا لا نريد ان نعطيهم مالاً حراماً».
إنه كلام حقّ يُراد به باطلاً، الشعب اللبناني عملياً، هو في «جهنم»، ولم يعد في الطريق إليها، وقد أفرغت منه، لفتحها أمام الطبقة السياسية التي بدأت تسلكها، وإنْ ببطء وحذر شديدين، قبل وصولها إلى خاتمتها التعيسة التي تليق بها، وعليها أن تلحق شعبها إلى هناك لتمارس حكمها وتسلطها وفسادها، في أيّ مكان حتى لو كانت «جهنم»، لأنّ منطق السلطة والحكم يفترض وجود شعب، وهو الآن يقبع في هذا المكان الملتهب، وعلى السلطة أن لا تتخلى عن شعبها مهما كانت الظروف والصعاب، كما عهده بها دائماً، ولأنّ المثل الشعبي يقول «من حفر حفرة لشعبه وقع فيها»، والسلطة السياسية التي تعاقبت على الحكم باتت على خطوتين من حفرتها الجهنمية، قبل السقوط النهائي الذي لا قيامة منه، إلا إذا تخلت عن مصالحها وحصصها وامتيازاتها وجزء من ثرواتها المكدّسة، وسلكت طريق الإصلاح والتغيير والمحاسبة، وأزالت دشمها من أمام عجلات عربة تأليف الحكومة، واستمعت لوجع الناس وأنينهم واعادت لهم حقوقهم المغتصبة والمصادرة والمسلوبة، ومعالجة الأسباب التي أدّت إلى ما حصل في طرابلس وغيرها، وليس النظر فقط إلى النتائج والتداعيات، لأنّ هناك سبباً ونتيجة لأيّ أزمة لا يمكن فصلهما.
ربما نحلم بأنّ تغيّر حليمة الطبقة السياسية المالية عادتها القديمة، أو نراهن على أنّ التطبع يغلب الطبع.
بكلّ بساطة إذا لم يصلح حال الحاكمين والبلد والشعب، فإنّ «جهنم» قليلة عليهم.
قبل الوقوع في الهاوية، لا بدّ من اللجوء إلى تجربة أحد ولاة الشام في ظلّ الاحتلال العثماني. وهي أنه أيام «سفر برلك» عندما كان الذي يُساق إلى الجندية، نادراً ما يعود، وكان هناك والٍ مصلح في الشام، يريد الخير للجميع، ولكن عليه أن ينفذ أوامر السلطان العثماني، وقد وصله أمر من الباب العالي لسوق المزيد من الشباب إلى الجندية، لكنه قبل تنفيذه الأمر، التقى وجهاء البلدة، وقد راودته فكرة ان يسوق الزعران والمشاغبين والفاسدين وذوي السمعة السيئة إلى الجندية، فينظف البلد، وفي الوقت نفسه ينفذ أوامر السلطان.
السؤال الذي شغل بال الجميع هو كيف نفعل ذلك، وبعد تبادل الأفكار والاقتراحات، تمّ الاتفاق، على أن يذهب مختار كلّ حارة مع دورية الجندرمة ليدلها على الآدمي من السيّئ، عن طريق حيلة طريفة، تلافياً لإحراج المختار أمام الأهالي، عندما يتمّ السؤال عن أيّ شخص، فإذا قال المختار «النعم فيه» يعني آدمي، وإذا قال «السبع تنعام فيه» يعني أنه من الزعران.
وتمّ التنفيذ بنجاح الخطة والخلاص من أصحاب الرذائل، واعتمادها كخطوة أولى تخلص الوطن والشعب من الشبيحة والمتسلطين والفاسدين، خاصة أنّ المجتمع اللبناني متخم بجماعة «السبع تنعام».