محاكمة*
} يكتبها الياس عشّي
المكان: مكان ما في العالم العربي .
الزمان: قد يكون بعد سنوات .
المتهم: كاتب… قد أكون أنا… أو غيري من الذين ما زالوا يُصرّون على أنّ فلسطين جزء من العالم العربي .
هيئة المحكمة: قاضٍ مقنّع، ونائب عام عسكري يعتمر قلنسوة، ومحامٍ معيّن من قبل السلطة .
الاتهام: مقالة سياسية تهاجم دولة «صديقة» هي الدولة العبرية.
… في الوقائع :
النائب العام يتلو المقالة السياسية التي تدين كاتبها، مؤكداً أنّ ما جاء فيها مخالف للإتفاقيات التي عقدت بين الدولة العبرية والبلد الذي ينتمي إليه هذا الكاتب .
يسأله القاضي: وما الذي تراه مخالفاً لهذه الاتفاقيات؟
النائب العام: يقول الكاتب «إنّ ما يجري في فلسطين العربية …
القاضي مقاطعاً: هل قال «فلسطين عربية»؟
النائب العام: نعم …
القاضي: انتهت المحاكمة… وحكمت المحكمة بالسجن لمدة خمس سنوات لكاتب المقال .
المتهم يضحك …
القاضي: ألا تريد أن تقول شيئاً؟ أنت في بلد ديمقراطي… حق الكلام مقدّس.
المتهم: هل تعتقد، سيّدي القاضي، أنّ نسبة العروبة إلى فلسطين هي بدعة؟
القاضي: نعم… نعم… كانت فلسطين عربية يوم كان هنالك عرب …
المتهم: سيّدي القاضي… سأقول لكلّ أولئك المقنعين الذين يحكمون في هذا الوطن الحزين… سأقول للأشجار والرياح وشقائق النعمان… أن هاجروا… اتركوا جذوركم… فالعالم العربي صار هو السجن… و»إسرائيل» هي السجّانة… وأن لا مكان لإنسان يكتب وعيناه مغروزتان في الشمس… وان لا مكان للأحرار طالما أنّ العبيد هم الذين يحكمون أمتي.
سيدي القاضي …
خمس سنوات في سجن معلّب خيرٌ ألف مرّة من سجن ترى فيه حتى الوردة وقد فقدت نكهة الضوء، وتوقّفت عن التّضوّع .
*نشر هذا المقال في 16/4/1994 في الصحف، كما صدر في كتابي «وطن للبيع… فمن يشتري؟»