مرويات قومية

لنـتـذكـــــر

عن عدد مجلة «صباح الخير» رقم «495» تاريخ 10/08/1985، هذه الباقة من المواد كي يطلع عليها الرفقاء والمواطنون وتبقى راسخة في عقول ووجدان كل منهم، وتكون زاداً للرفقاء لكل المستقبل.

« الثامنة صباحاً من يوم الأربعاء 31 تموز 1985، امتشق فارس الشمال الرفيق الشهيد علي غازي طالب دمه الحار وجسده الطاهر المتفجر بطولة وعنفواناً، وانقضّ جنوباً داخل منطقة «الحزام الأمني» وانفجر وسط دورية مؤلّلة وراجلة للعدو اليهودي في بلدة أرنون، فدمّر ملالتين وسيارة جيب عسكرية وأوقع 25 قتيلاً وجريحاً من أفراد الدورية.

التاسعة والربع صباحاً من يوم الجمعة 2 آب 1985، أغارت الطائرات «الإسرائيلية» المجهزة بأفضل التكنولوجيات وآلات الدمار في العالم، على مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي في شتورا وقصفت المبنى بقنبلة فراغية موجّهة نتج عنها تدمير المبنى وسقوط شهيدَين وعشرة جرحى.

هذه المعادلة في الصراع بين نهج الكفاح المسلح الشعبي الذي يملك أولاً وآخراً الدم الحار والإيمان بالانتصار، وبين العدو اليهودي الجبان الذي يختبئ وراء أفتك آلات الدمار في العالم وأفضل «التكنولوجيات» وأجهزة التنصت والرادارات، هذه المعادلة أثبتت على أرض الواقع والمواجهة البطولية الرائدة التي يخوضها أبطال جبهة المقاومة الوطنية حقيقة فعل المقاومة في توجيه الضربات الموجعة والمؤثرة ضدّ العدو الصهيوني التي أصابته بالهستيريا والهلع وبالهزيمة.

تفاصيل الغارة

بعد 48 ساعة على العملية الاستشهادية البطولية التي نفذها الرفيق الشهيد علي غازي طالب ضدّ قوات العدو اليهودي في بلدة أرنون، والتي أدّت إلى سقوط 25 قتيلاً وجريحاً في صفوف العدو وتدمير ملالتين وسيارة جيب. جاء الردّ الانتقامي اليهودي الهمجي بشنّ غارة خاطفة بطيارتَين حربيّتين على مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي في شتورة نتج عنها استشهاد رفيقَين وجرح عشرة وتدمير المبنى كلياً.

فعند الساعة التاسعة والربع من صباح الجمعة في 2 آب الجاري شنّت طائرتان حربيتان للعدو اليهودي من نوع – «أف 15» – غارة خاطفة على مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي في «فيلا» سرحال المؤلف من طبقتين وقصفته من علوّ شاهق بقنبلة فراغية موجهةكالتي استعملتها «إسرائيل» إبان الحصار على مدينة بيروتمما أدّى إلى استشهاد الرفيقين عبد الرحمن حمود (60 سنة) من تعلبايا وعامر أبو عيطة (17 سنة) وجرح عشرة أشخاص خارج المبنى إصاباتهم مختلفة وطفيفة، عُرف منهم حمود سليم نُقل إلى مستشفى دار الشفاء في تعنايل، توفيق زيتوني نُقل إلى مستشفى الميس في شتورا ومحمود عبد الرزاق نُقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. كما دُمّر المبنى كلياً وتحطّم زجاج الأبنية المجاورة، وتضرّرت سيارتين مدنيتين وسيارة عسكرية.

وعلى اثر الغارة حضرت سيارات الإسعاف والدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني والدولي والهلال الأحمر الفلسطيني للمساعدة في نقل الجرحى. كما حضرت جرّافتان ورافعة للقوات السورية وباشرت رفع الأنقاض والسقوف من المبنى. وقطعت القوات السورية وقوات من الحزب السوري القومي الاجتماعي الطرق المؤدية إلى المكان لتسهيل عملية نقل الجرحى ورفع الأنقاض.

وفور وقوع الغارة أطلقت المضادات الأرضية في المواقع السورية والفلسطينية المجاورة رشقاتها باتجاه الطائرتين المغيرتَين التي أطلقت وراءها البالونات الحرارية اتقاءً لأخطار الصواريخ المضادة للطائرات. وفي الساعة الحادية عشرة والدقيقة 35، عادت الطائرات الإسرائيلية للتحليق فوق منطقة البقاع وبوارج، فتصدت لها المضادات الأرضية وأجبرتها على الانكفاء وقد خرقت جدار الصوت، كما حلّقت الطائرات في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة فوق بيروت والجبل مخترقة جدار الصوت.

مؤتمر صحافي أمام المبنى المدمّر

وأمام مبنى المنفذية المدمّر، عقد عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي وعميد المالية الأمين حافظ الصايغ مؤتمراً صحافياً قال فيه: «من الطبيعي أن يستهدف العدو الإسرائيلي كل القوى المناضلة من أجل تحرير لبنان، وإذا كانت الغارة على مكتب الحزب القومي قد استهدفت بناءً، إلا أن استهدافها هذا لن يثني الحزب عن مواجهة المخططات الإسرائيلية عبر الكفاح المسلح وعبر تصعيد عمل جبهة المقاومة الوطنية».

أضاف « أنّ مسلسل العمليات التي قامت بها المقاومة الوطنية أثار حفيظة العدو، على اعتبار أن شهر تموز هو شهر الفداء، فلجأ إلى هذه الغارة التي لم نُفاجأ بها، وكنّا في سياق مواجهتنا مع العدوّ آخذين كل الاحتياطات الأمنية؛ إذ إنّ أي مواطن يمكن أن يستنتجها، وإن كان هناك بعض الجرحى والشهداء، وإنما لم تكن على مستوى الغارة «.

وقال: «سقط لنا شهيدان وثلاثة جرحى، والمبنى مؤلّف من طبقتَين سقفه من القرميد، وتضرّرت سيارتان مدنيّتان ودُمّر المبنى بالكامل، وهو يُستخدَم لبعض المراجعات المحلية ولا وجود لأسلحة ولا لذخائر بداخله، باستثناء بعض الأسلحة الفردية في حوزة الحرس. والإصابات جميعها وقعت خارج المركز، باستثناء عامل جهاز، ولم يكن هناك مسؤولون في المركز».

وقال ردّاً على سؤال حول توقّعه غارات جديدة: « إنّ إسرائيل سوف تستمر بغاراتها على كل المعاقل الوطنية، ونحن نعتبر أنّ العدو منذ اغتصب أرضنا أعطانا كل الحق والمبررات بالكفاح المسلّح ضدّه. وبالتالي، لم نُفاجَأ بتصعيد غاراته وصب حمم حقده على شعبنا، وهذا يزيدنا إصراراً على تصعيد أعمال المقاومة المسلحة».

وشكر الصايغ جميع الذين ساهموا بمجيئهم وقدّموا المساعدة من جمعيات إنسانية وهلال أحمر فلسطيني ومحافظ البقاع وقوات الردع العربية».

تشييع الشهيدين عامر أبو عطية

وعبد الرحمن حمود

شيّعت بلدة قب إلياس جثمان الشهيد عامر أبو عطية الذي استشهد أثناء الغارة العدوانية الإسرائيلية على مركز للحزب السوري القومي الاجتماعي في شتورة يوم الجمعة بتاريخ 2 آب الجاري، في حضور حشد غفير من المواطنين والقوميين الاجتماعيين.

وقد استُقبل الشهيد عريس قب إلياس على مدخل البلدة بزغردات الفرح بالشهادة ورُش بالأرزّ والورد، وكانت علامات الثورة تبدو على وجوه المواطنين والرفقاء، فكأنهم لا يريدون سوى الانتقام من ذلك العدو الخبيث الغادر، والردّ بعمليات استشهادية نوعية أخرى علّه يُلقّن درساً لا ينساه.

وبعد إتمام الصلاة على روح الشهيد، أُلقيت في التأبين كلمة منفذية زحلة، ألقاها الرفيق جورج مينا (الأمين لاحقاً) ناظر الإذاعة، وقال: «نفتخر بك يا شهيدنا البطل طالباً تحمي مكاتب الحزب ومراكزه، مستعداً لقتال العدو أينما وُجد، فإذا بنا نحملك على الأكفّ شهيداً بطلاً تروي بدمائك الأرض التي من أجلها نذرت نفسك وقدّمت حياتك».

ثم ألقى الرفيق سمير أبو ناصيف(1) كلمة أهالي بر إلياس وآل الشهيد، مركّزاً على الصراع المصيري بيننا وبين اليهود، فأن نكون أو لا نكون، ولن تتوقف العمليات ضدّهم حتى يُسحقون سحقاً»..

ثمّ ألقى حضرة عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين حافظ الصايغ كلمة المركز، فجاء فيها: «لا يهمّنا إن دمّروا مكتباً أو قصوراً، ولا يهمّنا إن دمّروا حجارة وأبنية، لأننا لا نبغي إلا بناء الإنسان الجديد المؤمن المصمم على الاستشهاد، ومن لا يموت عزيزاً لا يحق له دخول الجنة، فالسماء لا تستقبل الأذلاء بل الأعزاء، ثم تابع يقول: «لنا الشرف أن يُقصَف لنا مكتب يصدر أبطالاً أمثال زياد خالد وعساف فرح الفرزلي وسناء ووجدي ومالك وابتسام وخالد وعلي، والذي على إثر عمليته الاستشهادية قام العدو بغارته الجوية الوحشية». وعاهد الشهداء على الاستمرار في النضال ومتابعة العمليات، ولن تثنينا لا غارة ولا غزو.

ثمّ القى إمام البلدة فضيلة الشيخ عبد الرحمن كلمة، حدد فيها الصراع الحقيقي الدائر بين الأمة وأعدائها، وقال بأنه صراع مصيري ولن يضرب العدو طائفة ويرحم أخرى، لأن هدفه ضرب الأمة بأسرها، فما علينا سوى الصمود ورصّ الصفوف والوقوف وقفة واحدة بوجه شذّاذ الآفاق وعملائهم.

وفي اليوم التالي، شُيّع جثمان الشهيد عبد الرحمن حمود في تعلبايا بحشد حزبي كبير وحشد من المواطنين من القرى المجاورة ومن بلدته الفاكهة، مسقط رأسه في البقاع الشمالي، وقد استُقبل الشهيد في تعلبايا استقبالاً فيه اعتزاز وشموخ وووري الثرى بعد الصلاة عن روحه وأُطلقت إحدى وعشرون طلقة تكريماً له.

المقاومة الوطنية تكثّف عملياتها

في منطقة «الحزام الأمني»

أيام أخرى تُضاف إلى عمر «الحزام الأمني» الذي استحدثه العدو الإسرائيلي لحماية جنوده وعملائه من الموت، ولكن لا صمود أمام أبطال جبهة المقاومة الوطنية سوى حدود كل الوطن، فهم إن لم يزرعوا ألغاماً فأجسادهم هي اللغم، وحيث استطاعت مجموعاتها التحرك فهي بالمرصاد لكل عدو وخائن.

وقد كثّفت جبهة المقاومة الوطنية عمليات مجموعاتها البطولية ضدّ مواقع ودوريات الاحتلال الإسرائيلي وجيش العميل لحد، وقد تركّزت هذه العمليات على المنطقة الممتدة من تلة الحقبان بين كفرا وياطر وتلة المشرفة على طريق عام الناقورة ومنطقة الخردلي المشرفة على بلدة كفررمان، جسر الحمرا ووادي الحجيرالقنطرة وبين طير حرفا والجبين ومحور قلياجزين، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الإصابات في صفوف العدو وعملائه بين قتيل وجريح.

عملية الشهيد محمد سليم

وليل الجمعةالسبت (2-3 آب الحالي) هاجم رجال المقاومة موقعاً لجيش العميل لحد على طريق القنطرة، وأطلقت في اتجاهه القذائف الصاروخية والرشاشة وأصابته إصابات مباشرة، ثمّ انسحبت فعمدت عناصر الموقع إلى تمشيط المنطقة بحثاً عن رجال المقاومة، ممّا أدى إلى استشهاد الرفيق محمد فرحات وحسن قاسم وجرح آخرين.

واعترفت الإذاعة الإسرائيلية بالاشتباك داخل منطقة «الحزام الأمني»، وادّعت أن ثلاثة عناصر من المجموعة قد قُتلوا، وعثر في حوزتهم على صواريخ وبنادق «كلاشنكوف» وقنابل يدوية وجهاز اتصال لاسلكي.

بيان المقاومة

وأصدرت جبهة المقاومة الوطنية بياناً حول العملية، جاء فيه ما يلي: «قامت مجموعة من رفقائنا «قوات الشهيد محمد سليم» عند الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الجمعة 02/08/1985 بالتسلل خلف خطوط العدوّ، ونصبت كميناً لدورية من جيش العميل لحد في بلدة القنطرة، وعند مرور الدورية انقض عليها رجالنا بالأسلحة الصاروخية والرشاشة فقُتل جميع أفرادها.

وعلى الفور تدخّلت قوات العدو من المواقع القريبة وطوّقت المكان، فدار اشتباك بينها وبين رجالنا دام حوالى الساعة، نتج عنه سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف العدو، واستشهد على أثر الاشتباك قائد المجموعة الشهيد البطل محمد فرحات وأحد أفرادها الشهيد البطل حسن قاسم من بلدة القنطرة، وجُرِح اثنان آخران هما الآن في حالة جيدة وقد تمكّن رجالنا من سحب الشهيدَين من أرض المعركة إلى خارج الحزام الأمني».

الشهيد محمد فرحات

الشهيد البطل الرفيق محمد علي فرحات من بلدة كفررمان قضاء النبطية، وُلد عام 1964 ومعروف بالاسم الحركي (اليتيم)، انتمى إلى صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1982، ثم انضمّ إلى جبهة المقاومة الوطنية عام 1983، وشارك وقاد عدة عمليات بطولية في جميع مناطق الجنوب المحتل، كما خضع لعدة دورات عسكرية وهندسية للعمل خلف خطوط العدو. استشهد في عملية القنطرة بتاريخ 02/08/1985.

هوامش:

1 ـ سمير أبو ناصيف: للاطلاع على النبذة المعممة عنه وعن الرفيق سعادة سمير أبو ناصيف الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى