تمهيد الطريق لعودة حكومة الأقوياء…
} علي بدر الدين
تتسابق الأزمات والمشكلات والضغوط على لبنان الجريح للإجهاز عليه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على طريق الاحتضار البطيء، من دون أن يحظى بأياد ناعمة، وقلوب نقية ورحيمة تمدّه بجرعات «أوكسجين» تنعشه وتبقيه على قيد الحياة، علّ وعسى تعيد له ولشعبه أنفاسهما المصادرة والمسلوبة بقرار سياسي سلطوي داخلي، مع أنّ هذا مستبعد ومستحيل، لأنه مفعوله انتهى بعامل الزمن والسلوك السيّئ، وتغليب المصالح الخاصة، والشراكة في التحاصص والفساد، واستجداء الحماية والغطاء الإقليمي والدولي للبقاء في السلطة والحفاظ على الثروات والامتيازات والنفوذ، وهذا ما حفز المنظومة السياسية إلى التبعية والارتهان للخارج، سيادة واستقلالاً وقراراً، وتحويل لبنان سلطة ودولة ومؤسسات، إلى مجرد دمى يحرّكها هذا الخارج متى يشاء أو يضعها على الرفّ أو «دكة» الاحتياط أو في «ثلاجة» الانتظار للاستعمال وفق الحاجة والمصلحة والتوظيف، وفي الزمان والمكان الذي يريدهما، من دون اعتراض أو جدل او حتى السؤال.
الشواهد كثيرة، من عهود وحكومات عبرت، في كلّ الاستحقاقات الدستورية والسلطوية وغيرها، وتحديداً في الانتخابات الرئاسية والنيابية وفي تأليف الحكومات.
لبنان اليوم في مأزق غويط، الخروج منه صعب جداً، بعدما فشلت المنظومة السياسية الحاكمة أو معظمها في الإتفاق على تأليف الحكومة، الذي بات عصياً على الجميع، بسبب الصراع على العنوان والشكل والحجم وتوزيع الحقائب، وعلى التحاصص، والحقائب الدسمة…
الخلاف ليس من أجل مصلحة وطن يتهاوى وينهار، وقد يحتضر، وليس من أجل شعب يعاني جداً، ويتألّم ويفقر ويجوع ويمرض ويموت. وقد فشلت مبادرات الداخل والخارج، وبات الجميع محشوراً في غرفة الانتظار الدولية من دون مراعاة الإجراءات الوقائية، ومن من دون أقنعة لأنه لا ضرورة لها، بعد أن كشف المستور، و»فحّت» روائح الفضائح، عابرة الحدود، التي تلقفتها دول تدّعي الحرص على لبنان وتقدير شعبه وتبدي استعدادها لمؤازرته وعدم التخلي عنه.
أقله، هذا ما تضمّنه بيان مشترك صدر عن وزيري خارجية فرنسا وأميركا، وتضمّن بضع كلمات منمّقة تتعلق بتأليف «حكومة ذات مصداقية» ولكن على الطريقة السابقة المعتمدة من الطبقة السياسية المشكو منها، ربما مع خلطة للتمويه، وفيها تراجع واضح عن المبادرة الفرنسية التي شدّدت على تأليف «حكومة مهمة وإنقاذية وإصلاحية حقيقية» هذا يعني انّ القرار الفرنسي الأميركي خضع للأمر الواقع السياسي اللبناني التقليدي في تأليف الحكومات، بهدف تمهيد الطريق أمام تأليف الحكومة، بعد حلحلة عقد التحاصص بالتكافل والتضامن والرعاية الفرنسية الأميركية، للخلاص من هذا الملف اللبناني الشائك، لأنّ الإدارة الأميركية الجديدة، تريد التفرّغ لأزماتها الداخلية والخارجية، لهذا «أوكلت» فرنسا بالملف اللبناني وقدّمت لها الدعم والغطاء السياسيين.
لا غرابة، في أنّ البيان الفرنسي الأميركي المشترك حول تأليف الحكومة في لبنان، اتسم بالعموميات، وافتقد إلى لغة الحسم، والشروط الإصلاحية الجدية، التي وردت بالمبادرة الفرنسية، وبكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع القوى السياسية والطائفية التي التقاها في قصر الصنوبر في زيارته الثانية للبنان. هذا الموقف المستجدّ يعني أنّ فرنسا أدركت بالمباشر أنّ المنظومة السياسية عصية على التطويع والتغيير والإصلاح، لأنها تمرّست على نهجها المستمر في الفساد والمحاصصة، ولا يمكن أن تتخلى عما اعتادت عليه، على مدى عقود، مهما كانت النتائج والتداعيات حتى لو كانت كارثية مدمرة وقاتلة.
انّ تأليف الحكومة الموعودة سيكون من القوى السياسية والطائفية والمذهبية ذاتها وبالتراضي والتفاهم، وسيمنحها تسلطاً إضافياً ونفوذاً وقوة تعجز الدول عن مقارعتها.
ما يحتاجه التأليف فقط، هو إرضاء بعض الدول العربية بإعطائها مساحة سياسية مصلحية، حتى لا تشعر بأنها خسرت كلّ شيء، وخضعت لمنطق الغالب والمغلوب.
هذه المؤشرات رغم بساطتها وعدم نضج طبختها، فإنها تنبئ بعملية التأليف وتمهيد الطريق لمصالحات وتسويات، و»عفا الله عما مضى» وقد تحتاج إلى بعض الوقت، ويسبقها رفع منسوب خطابات الحرص على مصلحة الناس والوطن، وإطلاق رشقات إضافية من الوعود الكاذبة في عملية تمويه وترغيب وترهيب لإشغال اللبنانيين ونسيان الجحيم الذين هم فيه اليوم، وهو الممرّ الإجباري إلى جهنم.
ما يحصل على مستوى الداخل والخارج، طمأن القوى السياسية المعنية، الى أنّ الوقت ومسار التأليف يعملان لصالحها، وأنه لن يكون هناك إصلاح ولا تغيير ولا محاسبة ولا تدقيق جنائي، ولا إعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة، ولا إعادة أموال المودعين من اللبنانيين المقيمين والمغتربين في المصارف التي تمّ السطو عليها، ولا همّ إذا أصبح اللبنانيون على خطي الفقر والجوع، وانّ حياتهم مهدّدة بكورونا، وقد اوقع بشباكه الكثير منهم. وانّ الجشع «ضارب أطنابه» والغلاء أفرغ الجيوب وأذلّ الناس وقهرهم. الأبشع هو ما يثار عما تضمّنته الموازنة الملغومة، التي بدأ العمل بها، قبل أن تقرّ في مجلس النواب، عبر رفع الدعم التدريجي عن السلع الضرورية، خاصة المحروقات والطحين والخبز والدواء المخبأ، ورفع سعر الكهرباء المقننة وإضافة ضرائب ورسوم وزيادة النسبة على بعضها.
على الشعب المخدّر الذي لم يع بعد ما يتعرّض له، أن يهلّل ويفرح ويصفق ويزغرد لعودة خناقيه، لأنه لا يعرف العيش والنوم والاستقرار والأمان من دونهم.
مبارك له ما ينتظره من أفخاخ وحفر ووعود وأكاذيب.