محاولات «تطبيع سياسي» لـ«جبهة النصرة»
يوسف المصري
تتسابق خطوات ترسيخ الأمن في لبنان مع ثلاثة مناخات سياسية وأمنية عاصفة بحسب ما تقول مصادر مطلعة المناخ الأول يتمثل بالمتضررين من حوار حزب الله وتيار المستقبل، وهؤلاء موجودون في أكثر من موقع سياسي وأمني. وليس خروج خالد الضاهر من المستقبل يعبر عن كل نماذج هؤلاء، إذ يوجد له استتباع داخل الأمانة العامة لـ14 آذار وأيضاً داخل القوات اللبنانية وصولاً لمحور الرئيس فؤاد السنيورة. ويراهن كل هؤلاء المتضررين على حصول تغييرات إقليمية عاصفة تسفر في ما تسفر عنه عن انهيار الحوار بين الحزب والمستقبل المدعوم حتى بقوة من الأمين العام لحزب الله والرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.
أما المناخ الثاني أمني ويتجسد بمحاولات القيام بتفجيرات أمنية داخل البلد هدفها الأساس إعادة عقارب الاحتقان المذهبي الداخلي إلى لحظة التوتر السابقة التي كان لحوار الأزرق والأصفر فضل في تبريده. أما المناخ الثالث فتقوده «إسرائيل» الساعية لإغراق المقاومة في لبنان بحروب استنزاف وإلهاء طويلة المدى.
وثمة خيط رفيع أحياناً ومتين تارة أخرى يربط بين المناخات الثلاثة. وقوامه أن المايسترو واحد وهو «إسرائيل» المرتكزة في إدارة التوتر من سورية إلى لبنان على غرف عمليات عدة، أبرزها موجودة في الأردن، وإن لم تكن الوحيدة، ومهمتها إيجاد مسرح عمليات فوق الساحة السورية الجنوبية وامتداداً حتى البقاع الغربي في لبنان ومنطقة شبعا. والرهان في هذه الجبهة هو على «جبهة النصرة» المطلوب منها أن تلعب دوراً ورأس الحربة فيها، وإن كان يتم تغطيتها بيافطة «الجيش السوري الحر» وتحالفات فصائل إسلامية عدة تدعي أنها قوى معتدلة.
وتؤكد تقارير أمنية أن «جبهة النصرة» تشكل ركيزة العمل «الإسرائيلي» وقوى متحالفة معها، من أجل تخريب الأمن في لبنان وإلحاقه بساحة الفتنة المذهبية الجارية في المنطقة وبمتعلقات نتائج حرب كانت تعد على طول الجبهة الجنوبية السورية من درعا حتى القنيطرة امتداداً حتى بيت جن فشبعا. وتتوقف هذه التقارير عند رد الحزب في شبعا على جريمة القنيطرة، ومن ثم الهجوم الناجح الحالي للجيش العربي السوري على مثلث الربط بين أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، بوصفه خطوة استباقية لتعطيل سيناريو حرب «إسرائيلية» بأدوات «النصرة» وغيرها كان يفترض أن يبدأ في الجبهة الجنوبية السورية مع بداية شهر آذار المقبل. وتضيف أن كل المشروع «الإسرائيلي» التخريبي في سورية ولبنان، يعتمد بالأساس على الاستثمار في «جبهة النصرة»، وأن الوقائع المعلوماتية التي تثبت هذا الأمر أصبحت واضحة، وليس آخرها تفجيري جبل محسن الانتحاريين اللذين تأكد أن الجهة المنفذة هي «جبهة النصرة»، وكان الهدف منها تخريب حوار حزب الله المستقبل وجر لبنان إلى لحظة التوتر المذهبي مرة جديدة. ولم تكن بريئة في هذا السياق محاولات البعض الإصرار على أن «داعش» هي التي تقف وراء التفجيرين. فهذا التوجه لتجهيل دور «جبهة النصرة» الإرهابي، مقصود ومخطط وهو يسعى لرسم خط واه بينها وبين «داعش»، تحت عنوان أن «النصرة» مختلفة وأقل تطرفاً ولها أجندة سورية داخلية وتسعى لتحالفات عريضة داخل خريطة المعارضة السورية. بكلام آخر فإن الهدف هو تطبيع الوضع السياسي لـ«جبهة النصرة» داخل كل من لبنان وسورية.
ويمكن إحصاء تصريحات سياسية كثيرة صدرت عن جهات مختلفة، وكلها تخدم فكرة تطبيع «النصرة» سياسياً، وذلك منذ اختطاف الجنود اللبنانيين حتى اليوم. ومن وجهة نظر مصادر أمنية فإن خريطة التحركات لاختراق الوضع الداخلي اللبناني أمنياً وسياسياً، تؤشر إلى أن لـ«جبهة النصرة» موقعاً أساسياً فيها يمثل «بيضة القبان» والحلقة المشتركة بين جميع العاملين في هذا المجال: فبالأساس فإن رأس حربة «إسرائيل» في الجبهة الجنوبية السورية المشتركة مع الحدود اللبنانية والأردنية هي «جبهة النصرة» حتى لو تم تغطيتها بعلم ما يسمى بـ»الجيش السوري الحر»، كما أن الورقة التي حاول فيها محليون الاستثمار في قضية خطف الجنود اللبنانيين هي «جبهة النصرة»، إضافة إلى أن غالبية خلايا الإرهاب النائمة في لبنان تابعة لـ«جبهة النصرة».
كما أن تحقيقات جرت مع موقوفين من «النصرة» تظهر أن لديها أجندة عمل لبنانية مركبة تتضمن ما هو سياسي وأمني واجتماعي. وأظهرت أن لـ«النصرة» شبكات تواصل سياسية مع جمعيات وشخصيات سياسية لبنانية.