لِكُلِّ وطنيٍ مسؤول: لا تنسَ «مؤتمر كامبل بنرمان»
} السيد سامي خضرا
من حقنا أن نسأل عن أسباب هذا التردِّي في العديد من البلدان العربية بحيثُ أنّ القلاقل وبمجرد أن تهدأ فإذا بها تعود من جديد وعلى صُعُد مختلفة إنْ كان من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو المالية أو الأحوال الأمنية أو المشاكل الحكومية أو الفوضى الإدارية والتي تتفاقم يوماً بعد يوم!
قد يقول البعض (وهذه أصبحت موضة) نحن لا نؤمن بنظرية المؤامرة.
لكن الوقائع والإنصاف تقول إنّ الذي يجري ومنذ قرنٍ من الزمن ليس عبثاً:
فالدول الكبرى التي تستعمر بلادنا لن تتركنا وشأننا وليس من الصحيح أن يفكر البعض ببَراءة أنه لماذا نحن ننقاد لها؟
فكُلُّنا يعلم أنّ لهم اليد الطولى في تعيين الزعامات وتشكيل الحكومات والرضا والسخط والعزل فضلاً عن الاغتيالات والانقلابات والمؤامرات والعمالة المُخملية «الراقية»!
ولو رجعنا إلى «مؤتمر كامبل بنرمان» تحت رعاية المحافظين البريطانيين والذي حَضَرْته أبرز الدول الإستعمارية آنذاك من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا فعندما نرجع إلى وثيقة رئيس الوزراء البريطاني حينها «كامبل» سوف نرى توصيةً خاصة في الإقرار أن البحر الأبيض المتوسط جسرٌ حيويٌ لا يُمكن الاستغناء عنه بين القارتين الآسيوية والأفريقية فضلاً عن أنه مهدُ أبرز الأديان والحضارات.
وتُشير الوثيقة إلى ملاحظة فائقة الأهمية قد يغفل عنها الكثيرون اليوم وهي أن الذين يعيشون على الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط هم شعبٌ واحد في تاريخه ودينه ولسانه لذا رُفعت جملة توصيات ومنها الحرص على إبقاء شعوب هذه المنطقة مُتصارعة في ما بينها بحيثُ تُؤجَّج الحساسيات في ما بينها بتنسيقٍ من الدول الراعية.
لذا أوصى المؤتمر بإقامة دولةٍ تكون بمثابة حاجز بشري قوي ومعاد في وسط هذه البلدان عُرف في ما بعد بدولة «إسرائيل» إضافة إلى جملة توصيات اقتصادية وسياسية وثقافية لتعميق الهوَّة بين عرب آسيا وعرب أفريقيا.
ومنذ ذلك الحين ونحن لا نرسو على أرضٍ صلبة ولا شاطئٍ آمن.
وعلى الهامش كان حرص المؤتمر أن يحضرُه مؤرّخون وعلماء استشراق واجتماع واقتصاديون ومُتخصّصون في النفط والزراعة إضافة إلى جملةٍ من كبار العسكريين ولهذا دلالات لا تخفى على لبيب.
وهذا المقال لن يتَّسع لِما كُتبَ عن هذا الحدث التاريخي لكن يُمكن الرجوع للمختصين والمهتمين:
إلى «فلسفة التاريخ» للدكتور سلطان الجاسم وكتاب «المفاوضات السرية وإسرائيل» للباحث المحقق الأستاذ محمد حسين هيكل ومحاضرة «فلسطين والقانون في أرشيف جامعة فلورين» للباحث الأستاذ أنطون كنعان والتي نشرها اتحاد محامين العرب في مؤتمره الثالث الذي انعقد في دمشق من21 إلى 25 أيلول عام 1957، وما ذكره أيضاً في «مجلة البحث التاريخي» السورية عدد 7 عام 2003 للدكتور مسعود الضاهر.
إضافةً لِما نَشَرَتْه وزارة الإرشاد القومي في مصر تحت عنوان «توصية مؤتمر لندن المُسمى مؤتمر كامبل».
فهذا الحدث التاريخي إضافةً إلى غيره من تطورات وإتفاقيات وأحداث ومعارك باستطاعتها أن تُفسِّر لنا الكثير مما جرى ويجري الآن فضلاً عن العقود الماضية.
ومن الضروري الإشارة إلى المُلحق التوصيةٍ «بدعم الأقليات بما لا يسمح بمَتانة النسيج الإجتماعي لهذه الدول وتَبَعيَّتها للخارج»!
هذا المقال هو محاولة للتذكير «بمؤتمر كامبل بنرمان» الذي كان يُتابع شؤون بلداننا وبإشرافٍ مباشر من الدُّول المعنية مُعرقلاً عودتنا المفترضة أو النظرية إلى شيءٍ من وحدة الإنتماء مما يُشكل خطراً على المجال الحيوي للغرب كما ذكر الدكتور فايز عز الدين في «شؤون سياسية» الدمشقية في 4_10_2007،
ولذلك لم تخرج إتفاقية «سايكس بيكو» عن هذا السياق بل هي استمرارٌ تطبيقيٌ عمليٌ لوثيقة كامبل.
من هنا نفهم هذا الحرص الغربي وتحت عناوين منظمات عالمية وأممية من أجل حماية وتقوية الدولة المُنْشأة حديثاً لتكون جداراً بشرياً غربياً وغريباً في بلادنا بل هي قاعدةٌ متقدمةٌ للإستعمار.
وها نحن اليوم نرى بعض آثارها من خلال ما يُسمّى بإتفاقيات التطبيع أو «الأخوة العالمية» وما شاكل ذلك.