أعلنتُ الحب عليكم جميعاً
} زياد كاج*
الحياة لا تزال كريمة، لكن الضفادع كثر.
أحبّ كرش سائق السرفيس
يعانق المقود ويده السمراء فوق العادة،
وأسنانه الصفراء فوق العادة،
وزموره سمفونيّة وشبكة صياد.
وأحبّ صخب شارع الحمراء
والوجوه البشعة والجميلة
والصبايا غزلان يعرضن لك وعنك،
والبطون الملساء كأرصفة المقاهي عند المساء،
و»الغارسون» العتيق ربان السفينة
وحافظ الوجوه والحكايا والتفاصيل.
وأحب الضرير والعكاز، وبائع الفستق
الذي كان، وعلبة العلكة
وبائع اليانصيب يلوّح لك بالملايين
وأنت الثور والأوراق حمراء.
وأحب البكيني والشادور
وسيقان الصبايا والإيقاع المثير
والرصيف الآن طبل كبير،
وذاك الرجل الكبير صاحب القلب الكبير
يموت ببطء ولذة.
ورواد المقاهي أقاربي وأصدقائي
كأننا طائفة واحدة أو مذهب واحد
أو أقليّة واحدة،
والقهوة السمراء في الفناجين البيضاء
وكوب الماء البارد يتصبّب ماءً،
والرؤوس المقنّعة خلف الجرائد.
وأحب واجهات المحال والملبوسات الداخلية والخارجية
ومحال الصاغة تغتال النساء وجيوب الرجال،
وأحبّ قهوة الصباح والجريدة العذراء
وكوب الشاي عند المساء.
وأحبّ شرطي السير يتصبّب عرقاً ومللاً
ويؤدب السيارات بصفارته ورئتان ملوثتان،
يسهر مع سيدة جميلة خلف المقود على العشاء:
شمعتان ونبيذ وشفتان مثيرتان.. ثم يعود الى الزحمة والضجيج.
وأحبّ جارتي ونظراتها الحشريّة من تحت الحجاب
والريح تعصف وترمي بعيداً صحونها وطناجرها المعمّرة
وأولاد الحي يتطوّعون ويعيدونها الى بيت الطاعة
وهي تبتسم ولا تفقد صحناً واحداً.
أحب خلافات الجيران.
يختلفون يتصالحون، ثم يختلفون وإبريق الشاي
يرقص للصلحة
ولا قوى أمنيّة ولا مَن يحزنون،
ويطول السهر والكل فرحون.
وأحبّ ولدي الصغير
« مهرّج الجمهورية»
يخربش على دفتر العمر
ويصادر الابتسامات والضحكات
من خزانة مآسينا،
يرتكب الجنحات والمجازر
بسجل عدلي نظيف.
إني أعلن الحب عليكم جميعاً.
إني أعلن الحب عليكم جميعاً.
فالحياة لا تزال كريمة
لكن الضفادع كثر.
*بمناسبة عيد الحب في زمن الكورونا أحببت العودة الى قصيدتي هذه
التي نشرت في جريدة النهار في 23-6-2002. وهي من كتابي الشعري الأول:
«كان عليك أن تقلب السلم» الصادر عن « دار نلسن « سنة 2003.