الحضارةُ والمستقبلُ يا سادة لا يُبْنَيَان بأوهام مرِّيخيَّة!
} السيد سامي خضرا
في يومٍ من أيام تموز – يوليو عام 2017 لَفَتَ نظري خبر إنشاء مؤسسة إماراتية مُتخصّصة هدفها الوصول إلى المريخ!
حينها توقفتُ مَليَّاً عند الخبر فهو جذابٌ ومُلفتٌ ومُفاجئٌ ويثير الكثير من التساؤلات!
ومنذ ذلك الوقت بدأت أتابع أخبار كلّ ما يتعلَّق بهذا المشروع من خلال مصادر ومواقع رسمية وإعلامية إماراتية.
فالإمارات دولةٌ أُنشئت في ظروف خاصة ومهام وظيفيَّة ومضمون مُحدّد وما زالت طريَّة.
وكلّ ما نراه فيها من مشاريع وإنشاءات إعمارية وعقول وإدارة وقوى عاملة مستوردةٌ من الخارج, فضلاً عن أنه ليس لها اقتصادٌ بالمعنى الحِرَفي التخصُّصي والإنتاجي المُتداول في العالم، وليس لها تاريخٌ مستقلّ عن المحيط فهي جزءٌ من كلّ ولم تعرف شكل «دولة» مستقلة إلا منذ فترة وجيزة وبصيغة توافقية.
مع العلم أنها في العمق والحقيقة والسيادة لم تعرف معنى الدولة إلى يومنا هذا.
فما زالت حتى الآن أشبه بشركة أو مؤسّسة ضخمة تقوم بمهام مُبَرْمجة ضمن ما يَطلب منها المُسمَّى «المجتمع الدولي أو العالم الأوّل» بما يكون موافقاً ومُكمِّلاً للسياسة الغربية في منطقتنا العربية…
فما الجدوى وكيف يُمكن لمثل هذه «الدولة» أن تصل إلى المريخ؟!
ومثل هذا الإعلان وهذا التصرف ليس بالشيء الجديد «لدولٍ» تُفتِّش عن موقعٍ في التاريخ أو عن دورٍ في عالم اليوم.
فقد سبقها قبل عقدين من الزمن ذاك الذي نسيت إسمَهُ وهو أمير سعودي «وصل إلى القمر» وكنت قد رأيتُ صورته أثناء زيارة لي لمكة على جدار بنايةٍ مؤلفة من تسعة طوابق وهو يلبس بدلة فضاء!
وآنذاك أيضاً تفاجأتُ بالخبر الذي أكله النسيان!
فهل فعلاً هناك مشروعٌ فضائي إماراتي بحيثُ يُنافِس أو يُشابِه المشاريع الفضائية الموجودة في عالم اليوم؟!
(وأنا أكتب هذا المقال نشرت BBCمقالاً بعنوان: هل تنافس الإمارات الدول العظمى في استكشاف الفضاء؟!)
وهل فعلاً أنّ هناك مؤسسة فيها موظفون يعملون ليل نهار من أجل بناء مستوطنة إماراتية في المريخ عام 2117 كما أعلنوا هم ذلك؟!
فخبر بناء المستوطنة ليس خبراً عابراً إنما هو مُسْتقى من موقعهم الرسمي الذي ومنذ خمس سنوات وأنا أتابعه بين فترةٍ وأخرى لأرى أين أصبح «المشروع الإماراتي الفضائي باتجاه المريخ»!
وماذا عن تكذيب واستهزاء «وكالة ناسا» العام الماضي لخبر وصول «هزاع المنصوري» إلى القمر واستقبال محمد بن راشد له في فضيحة علنية!
في الحقيقة مثل هذه التصرفات ليست جديدة والأمثلة عليها كثيرة والإعلام التافه يستفزُّ أهل الفهم والعلم في كيف يتحوّل خبرٌ وهميٌ إلى خبر أول في بعض القنوات العربية وليس العالمية وخاصة بعض الإعلام اللبناني «الثوري» المدفوع الثمن والذي وجدها فرصة في نشرات الأخبار ليُحدِّثنا كيف أنّ الإماراتي وصل إلى المريخ بينما اللبناني وصل إلى جهنم (وفي ذلك تعريضٌ صريح برئيس الجمهورية اللبنانية) من جماعةٍ لا حدود لتضليلهم.
فمثل هذه التصرفات أو التعابير أو الكتابات أو الإدعاءات التي تَنُمُّ عن «عقدة نقص» رأينا مثلها الكثير في السنوات الماضية في الاقتصاد والعمران والمراكز العلمية والجامعات!
فمن خلال تتبُّع شخصي لم أر خلال هذه السنوات في «المشروع الإماراتي الفضائي» وجوداً محلياً حقيقياً بل كله وبكلّ تفاصيله من موظفين ومختصين وخبراء وعلماء من بلدان أخرى أبرزها اليابان وأميركا باستثناء الصور والمقاطع المُكررة والمُمِلَّة التي تبثُّها «ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي» حول مشية ووقفة وغمرة وغمزة «رواد الفضاء» هزاع وأحمد ورفاقهم ببدلاتهم الفضائية!
وهذه المتابعات «العلمية» مُقتصرة على الإعلام الإماراتي المُسيَّر!
في الحقيقة مهما حاول هؤلاء أن يخترعوا تاريخاً مُستقلاً يَبُثُّونهُ عبر أقنيتهم أو يُصَرِّح به بعض مُستَكْتَبيهم أن قيادة الأمة آلت إليهم بعد أن سقطت عن بغداد ودمشق والقاهرة والجزائر وصنعاء… إلا أنها سَفْسَطة مستمرة بطَعْم «عقدة نقصٍ» تنزع صِفة القيادة عن أمهات العواصم التاريخية العربية لتصبح عندهم!
ثم يخترعون تاريخاً وبحسب إعلامهم عمرهُ عشرات الآلاف من السنين (أحدها أنّ الإمارات تمتدّ جذورها 125 ألف سنة في التاريخ!) ويُحدِّثونك عن النظريات والتحدِّيات والتميُّزات والخُطط والإبداعات الناتجة حصراً عن الأمراء المَرْضي عنهم فقط وفقط دون أفراد الشعب!
وأما الإستعراضات الواهية والتافهة فلا أظنّ أن مقالاً يمكن أن يحصرها وكلنا نذكر «تشفيطة السيارة» على أعلى بناء في العالم من بطل العالم الفلاني بالسيارة الفلانية!
يريد الإماراتيون وبعض الخليج أن يلعبوا دور الغرب في التفضُّل علينا بحضارةٍ ومشاريع لا يملكونها.
وكان الأحرى بهم أن ينظروا لتاريخ اليمن وعُمان الضارب في الحضارة من أطراف الهند والسند إلى أن تصل إلى كلّ شرق أفريقيا فجنوبها وما زالت ظاهرة.
الأوهام «المريخية» يا سادة لا تبني حضارة ولا مستقبلاً ولا تستر جرائم مستمرة ووحشية سجون على الشعب اليمني المظلوم.